عن الهجمات التي تعرضت لها إيران مؤخرا .. أهدافها ودلالاتها وعن الرد الايراني المتوقع

05-07-2020 11:36:29    مشاهدات287

محمد مصطفى العمراني

تعرّضت إيران خلال الأسبوع الماضي إلى 5 هجمات على مناطق حيوية وهامة فيها حيث استهدف الهجوم الأوّل صباح الأول من يوليو تموز الجاري مبنى في مجمع نطنز النووي المُخصّص لتخصيب اليورانيوم والواقع في محافظة أصفهان جنوبي العاصمة طهران .

وأما الهجوم الثّاني فكان في 26 يونيو حزيران الماضي حيث استهدف مِنطقة أنفاق تَضُم معامل لإنتاج الصّواريخ الباليستيّة في موقع بارشين العسكري قرب وزارة الدفاع في طهران .

الهجوم الثّالث تم يوم السبت 4 تموز/ يوليو في منشأة للإنتاج الكهرباء في زرقان في الأهواز وقد اكدت الرواية الرسمية أن ارتفاع في حرارة الماكينات أدى إلى نشوب الحريق. تبع هذا الانفجار تسربا لمادة الكلور من أحد المصانع البتروكيمياوية.

واما الهجوم الرابع فكان في خزانات الاوكسجين في مركز سينا أطهر الصحي في منطقة تجريش شمالي طهران في ليلة 30 حزيران/ يونيو أدى لوفاة 19 شخصا غير الجرحى وبحسب الرواية الرسمية فإن الانفجار وقع عندما اشتعلت نيران في اسطوانات غاز في مخزن المركز الطبّي.

أما الهجوم الخامس فكان في 30 يونيو حزيران حيث استهدف جيش العدل البلوشي سيارتين للحرس الثوري في منطقة كورين بمحافظة سيستان وبلوشستان مما أسفر عن إصابة قائد الحرس الثوري في المنطقة كما نفى الإعلام الرسمي الايراني ما تردّد عن أسر عدد من أفراد الحرس الثوري بهذه العملية كما أعلنت عن ذلك صفحات تابعة لجيش العدل البلوشي على مواقع التواصل الاجتماعي .

وهنا لدي ملاحظات ووقفات حول هذه الهجمات واهدافها ودلالاتها قبل الحديث عن تصوري لكيفية الرد الايراني عليها .

1- باستثناء الهجوم الأخير الذي نفذه جيش العدل البلوشي على قوات الحرس الثوري في زهدان والذي عادة ما ينفذ عمليات هجومية من هذا النوع فإن بقية الانفجارات الأربعة تبدو غامضة خاصة وأن الجهات المعنية في إيران لم تحسم الأمر حولها وابقت كافة الاحتمالات مفتوحة وخاصة في ملابسات التفجير الذي حدث في مجمع نطنز النووي الهام في أصفهان إذ أكدت أن هناك فريق من الخبراء يبحث في ملابسات الحادث وسيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب ، ومن الواضح ان قيادات النظام الإيراني تدرس وتناقش الآن خيارات إيران في الرد على هذه الهجمات وكيفيته والتوضيحات الإعلامية التي ستدلي بها حول هذه الهجمات لتحسم الجدل وتضع حدا للتكهنات العديدة والتساؤلات التي ما تزال متواصلة في الداخل الإيراني قبل الخارج ولذا لم تتسرع وتتهم بشكل رسمي جهة محددة وإن كان البعض من المسؤولين الايرانيين قد ألمحوا إلى وقوف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل خلف هذه الهجمات حيث قال رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني غلام رضا جلالي، إن "طهران لا تستبعد عملا تخريبيا من قبل مجموعات المعارضة أو هجوما سيبرانيا من قبل أمريكا، وراء عدة أحداث وقعت مؤخرا في إيران " ، كما قال نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين ايرانيين قولهم " إن إسرائيل يمكن ان تكون وراء الهجمات، رغم أنهما لم يقدما أي دليل يدعم مزاعمهما".
عدم تسرع النطام الإيراني بتوجيه الاتهام الرسمي إلى جهة محددة يؤكد أن النظام - كما قلت - يدرس خياراته في كيفية الرد وأين ؟ ومتى ؟ وما هو الخيار المناسب والذي لا يقود لتصعيد أكبر مع واشنطن وحلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم إسرائيل وانما يكون متوازنا بحيث يحفظ لإيران هيبتها بعد تعرضها لهذه الهجمات ويحقق ولو الحد الأدنى من الرضا في الداخل الإيراني كما حدث في الرد الإيراني على اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني في 3 يناير كانون الثاني 2020م حيث كان الرد الإيراني أقل من المتوقع حيث استهدف الحرس الثوري قاعدتين تضمان قوات أميركية في محافظتي الأنبار وأربيل العراقيتين وأكدت إيران حينها أنها ردت بشكل متناسب على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وأنها لا تسعى للحرب والتصعيد، لكنها حذرت من أنها ستنفذ ضربات أخرى في حال ردت واشنطن عسكريا.

2 - ايران في هذه الظروف لا تريد الانجرار لحرب مع واشنطن وحلفاؤها في المنطقة أمثال تل أبيب والرياض وأبو ظبي لادراكها أن هذه الحرب ستفاقم وضعها الاقتصادي الصعب وستدمر الكثير من انجازاتها وقدراتها العسكرية وخاصة وأن حلفائها في العراق ولبنان وسوريا هم ايضا في وضع صعب اقتصاديا وسياسيا ولكن بالمقابل تريد واشنطن وحلفائها استفزاز إيران وجرها إلى هذه الحرب وتنتظر منها عملا عسكريا متهورا لتوجه ضربة كبيرة لها وهو ما يتطلع إليه الرئيس الامريكي ترامب ليرفع من حظوظه في الاستحقاق الانتخابي القادم بعد تردي شعبيته إثر التظاهرات المناهضة للعنصرية وفشله في إدارة أزمة جائحة كورونا ولكن إيران من المؤكد ستحاول امتصاص هذه الهجمات وعدم الانجرار وراء هذه الاستفزازات والرد عليها بالحدود الدنيا وبأقل من الرد على اغتيال قاسم سليماني .

3- هذه الهجمات المنظمة والتي تستهدف منشآت ايرانية حيوية وهامة تهدف إلى تعطيل أو إبطاء وتشويش برنامج ايران النووي قدر المستطاع بعد أن تسارعت وتيرته مؤخرا بعد تعليق ايران الكثير من التزاماتها وفق الاتفاق النووي الايراني وقيامها بتخصيب اليورانيوم إذ صار لدى إيران 1700 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب ، فبحسب خبراء أدت هذه الهجمات الى خسارة إيران لكميات كبيرة من غاز UF6 الذي يستخدم في عملية تخصيب اليورانيوم ولذا ستحتاج لشهرين إلى 3 أشهر لتعويضه ، كما تهدف هذه الهجمات إلى ضرب هيبة النظام الايراني لدى الداخل الإيراني ولدى حلفاء إيران في المنطقة وخاصة اذا تأخر الرد واكتفى المسؤولون الإيرانيون بالتهديد والوعيد ، كما أن هذه الهجمات تهدف لبث الرعب والفوضى في الداخل الإيراني خصوصا وأنها تستهدف منشآت نووية قد يحدث اذا تكررت هذه الهجمات إشعاع ذري وتسرب نووي وهذا تطور خطير في حال حدوثه وسيكون له تداعيات كبيرة على أمن وسلامة المواطنين في المناطق المجاورة لتلك المنشآت وعليه فإن على إيران أن تكثف جهودها في مجال الأمن والسلامة ووضع التدابير الاحترازية حتى لا تتكرر تلك المنشآت النووية والعسكرية لهجمات جديدة وهذا بحد ذاته تحدي كبير لا يقل عن تحدي الرد على هذه الهجمات .

4 - بخصوص المنظمة التي أعلنت تبنيها لهذه الهجمات حيث نشرت قناة " بي بي سي فارسي " فحوى رسالة مجهولة تقول أنها وصلتها إلى الإيميل وبعثت بها منظمة تقول أنها " فهود الوطن " وتتبنى استهداف منشآت نظنز النووية فنحن لا نستبعد ان تكون هذه الرسالة لعبة مخابراتية أمريكية أو إسرائيلية الهدف منها خلط الأوراق وإضفاء المزيد من الغموض والتكهنات حول الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات واظهارها على أنها شأن ايراني إيراني لا دخل لواشنطن وتل أبيب به خاصة وأن بمقدور أي شخص إرسال مثل هذه الرسالة التي لا تؤكد وجود مثل هذه المنظمة المزعومة خاصة وأن واشنطن وتل أبيب لم تعلن مسؤولياتها عن هذه الهجمات وحتى الإعلام الإسرائيلي تارة يلمح إلى أن ما اسماها الدول الغربية هي من تقف وراء هذه الهجمات بعد أن نفذ صبرها من إيران وأحيانا يلمح إلى ان إسرائيل تقف خلفها ربما لإضفاء حالة من الارباك والتخبط حول ملابسات هذه الهجمات وهوية من يقف وراءها.

5- هناك شبه إجماع على ان هذه الهجمات تتخذ الطابع الالكتروني " السيبراني " ولكن حتى مع تسليمنا بهذا الأمر فهذا لا ينفي وجود أيادي بالداخل وأدوات لأعداء إيران تنفذ أو تساهم في تنفيذ مثل هذه الهجمات اذ ليس من المستحيل تجنيد البعض من الإيرانيين للقيام بمهام كهذه واغراءهم بالأموال في ظل ظروف اقتصادية متدهورة وأوضاع معيشية صعبة وتبرم وسخط واسع على أداء النظام وتفشي الفقر والبطالة وانهيار العملة في إيران في ظل تواصل العقوبات الأمريكية بحدودها القصوى والآثار الكارثية لجائحة كورونا التي ضاعفت من أعباء النظام وزادت من التحديات الصعبة أمامه ، ولذا فإن تنفيذ مثل هذه الهجمات عبر أشخاص في الداخل الإيراني هو احتمال وارد وإن كان البعض يستبعد هذا الأمر بخصوص مفاعل نظنز النووي إذ تتمع هذه المنشأة بحراسة كبيرة واسوار عالية وكاميرات مراقبة واسلاك شائكة وغيرها .

* نوعية الرد الإيراني المتوقع

استبعد انجرار إيران لرد عسكري كبير على هذه الهجمات حتى وأن تأكدت من الجهة التي انطلقت منها هذه الهجمات لأن إيران في الظروف الراهنة لا تريد الانجرار لحرب مع واشنطن وحلفاؤها في المنطقة ولكني اتوقع ان يكون الرد عبر الهجمات الإلكترونية السيبرانية و لإيران قدرات كبيرة في هذا المجال ولديها جيش من الشباب المتمكن في مجال التقنية وشن الهجمات السيبرانية كما أن إيران تملك برامج رقمية بوسعها تنفيذ هجمات من هذا النوع واستهداف مؤسسات هامة في إسرائيل والولايات المتحدة وسبق لقراصنة ايرانيين ان شنوا هجوما الكترونيا على مواقع أمريكية حساسة كما استهدفوا بهجماتهم البنية التحتية لمصارف ولمعاهد أكاديمية أمريكية، بما في ذلك اختراق الأنظمة الخاصة بسدٍّ يقع في أطراف مدينة نيويورك - بحسب تقرير لموقع التلفزيون الألماني العربي WD - كما أعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتأريخ 29 يناير كانون الثاني 2019م ، إن إيران تشن هجمات يومية على إسرائيل، مضيفا "نحن نصد تلك الهجمات".
كما نشر موقع "المونيتور" الامريكي تقريرا أكد فيه أن " إسرائيل وقعت هدفا لهجوم سيبراني إيراني ليلة 24 نيسان/ أبريل الماضي، أصاب مرافق المياه والصرف الصحي، واخترق أنظمة الكمبيوتر لمرافقها المائية، وعطلت عملياتها لفترة وجيزة ".
ويبدو ان ان تلك الجهات التي شنت هذت الهجمات الإلكترونية قد أخطأت في تقدير قوة إيران في المجال السيبراني والعسكري ورأت أن هذا هو الوقت المناسب للهجوم على إيران بسبب أوضاعها الاقتصادية المتدهورة بهذه النوعية من الهجمات السيبرانية ولكنها لا تدرك أنها ستجر إيران إلى ملعبها الذي تجيده ، وأتوقع أن الرد الإيراني لن يتأخر كثيرا لكنه سيظل في إطار الهجمات السيبرانية ولكن بقوة أكبر وبوتيرة أشد لحفظ هيبة النظام الإيراني وحفظ ماء وجهه أمام شعبه في الداخل وحلفاؤه وأعداءه في الخارج .
إعلان
تابعنا
ملفات