أزمة سد النهضة : إثيوبيا تتحدى ومصر والسودان يبحثان دعوة الاجتماع الفني

27-06-2021 09:56:00    مشاهدات298

واي إن إن - متابعات

في تكرار شبه حرفي لما حدث الصيف الماضي خلال عرض قضية سد النهضة على مجلس الأمن؛ أرسلت إثيوبيا خطاباً مطولاً شديد اللهجة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، معلنة بشكل قاطع عدم الرضوخ للمطالب المصرية والسودانية بالتنسيق قبل إتمام الملء الثاني للسد، بحسب بيان للخارجية الإثيوبية، أول من أمس الجمعة. وكررت أديس أبابا تأكيد عدم جواز الفصل بين عملية الإنشاء المستمرة حتى الآن للسد وعملية الملء، موجهةً أصابع الاتهام إلى مصر بالتجهيز لعمل عدائي ضدها، وإلى السودان بالتسبب في إفساد مسار المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.
وارتباطاً بهذه النقطة، قال مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي، في تصريحات لفضائية "روسيا اليوم" إن بلاده لا تسعى إلى حل قضية سد النهضة مع مصر والسودان عسكرياً، لكنها مستعدة لهذا السيناريو، وأن مصر لن تحاول مهاجمة السد، وإذا هاجمته فلن تستطيع حل المشكلة أو تدمير السد، لأنه لا يمكن تدميره بقنابل الطائرات المقاتلة "وهم يعرفون أن السد متين".
في المقابل، ركزت مصر في الساعات الماضية على تكثيف اتصالاتها بالوسطاء المحتملين وعلى رأسهم الصين والولايات المتحدة، للمطالبة بعقد جلسة سريعة في مجلس الأمن لمناقشة القضية، انضماماً للطلب السوداني المقدم سلفاً في هذا الصدد. وكان هذا الأمر محور مباحثات هاتفية بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره الصيني وانغ بي أمس الأول، على الرغم من موقف الصين المبدئي الرافض لتدويل القضية.
وأعلنت إثيوبيا رفضها بصورة تامة ما ادعت بأنّ دولتي المصب تقومان به بمحاولة فرض الأمر الواقع الذي ترتب على اتفاق تقسيم مياه النيل عام 1959 على آثار إنشاء سد النهضة. وكررت مطالبتها الصريحة بإعادة محاصصة مياه النيل، بل ذهبت أبعد من ذلك، بالتنويه إلى ضرورة عدم استبعاد باقي دول حوض النيل من التفاهمات الجديدة، بما في ذلك فرض شروط على مصر والسودان بعدم تنفيذ أشغال على حوض النيل، سواء في صورة سدود أو خزانات أو ترع أو مشروعات لنقل المياه من دون إخطار باقي الدول المشاطئة. وزعمت بأن الدولتين لم تبلغا أي طرف بجميع مشروعاتهما السابقة، وبأنّ إثيوبيا رائدة بخصوص التنسيق والإخطار المسبق في حوض النيل.
وتشير أديس أبابا إلى مسألة وجوب فرض محاصصة جديدة لمياه نهر النيل قبيل كل جولة تفاوض حول قواعد الملء والتشغيل، حتى تؤثر سلباً على مسار المناقشات، وتبعدها عن سياقها المرغوب من مصر والسودان، خاصة وأنها غير راغبة حالياً في اتباع آلية الوساطة الرباعية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة، والاتحادان الأفريقي والأوروبي) المقترحة من الطرفين الآخرين، والمتعثرة بالفعل، بسبب حرج بعض أطراف الوساطة المطروحة من الدخول على الخط قبل الاتفاق الثلاثي على ذلك.
وتراجع استخدام سلاح المطالبة بالمحاصصة الجديدة والخروج عن الاتفاقات القديمة منذ فشل المحاولة المصرية السودانية للجوء إلى الأمم المتحدة الصيف الماضي، لكنه يبقى "سلاحاً فعالاً للمقايضة"، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار البيان الصادر عن القمة الأفريقية المصغرة التي عقدت في يوليو/تموز 2020 بالتزامن مع إتمام الملء الأول للسد، والذي تضمن عبارة "التطورات المستقبلية على النيل الأزرق" حسب الطلب الإثيوبي، ليفتح بذلك الباب لمفاوضات "قد تكون طويلة الأمد" تتضمن الاتفاق على قواعد الملء السنوي والتشغيل المستمر من جهة، وإعادة المحاصصة في مياه النيل الأزرق. فضلاً عن النص في البيان على كيفية التعامل مع المشروعات المستقبلية التي يمكن لإثيوبيا إنشاؤها على النيل الأزرق في المسافة الواقعة بين المنابع وسد النهضة، وهي النقطة التي أصرت كل من مصر والسودان أن يكون من الواضح فيها ضرورة الإخطار المسبق قبل فترة كافية.
وكانت إضافة هذه العناصر للاتفاق، من الأمور التي رفضت مصر والسودان التطرق إليها في المفاوضات السابقة، لكن إثيوبيا استمرت خلال التفاوض تحت لواء الاتحاد الأفريقي نهاية العام الماضي، بما حمله بيان قمة يوليو من عناصر، بما في ذلك الاعتراف بعمل حساب للتطورات الجديدة على النيل الأزرق، تماماً كتمسكها بالتفسير الحرفي لاتفاق المبادئ الموقع عام 2015.
وفي ذلك الوقت، أعلنت الرئاسة المصرية أنه "سيتم لاحقاً العمل على بلورة اتفاق شامل لكافة أوجه التعاون المشترك بين الدول الثلاث في ما يخص استخدام مياه النيل"، ما اعتُبر ارتداداً كبيراً عن موقف مصري ثابت ضد الخطة الإثيوبية لإعادة المحاصصة. وهو الأمر الذي فسرته مصادر فنية ودبلوماسية مصرية وقتها، بأنّ "إثيوبيا اشترطت للمضي قدماً في المفاوضات للوصول إلى اتفاق كامل بشأن قواعد الملء والتشغيل، أن يتم الاتفاق أيضاً على خطة جديدة للتعاون في الاستخدام المنصف والعادل لمياه النيل الأزرق، أي بين مصر والسودان وإثيوبيا فقط. أما الانعكاس المباشر لهذا الأمر، فهو إلغاء جميع الاتفاقيات السابقة لتقسيم المياه بين دولتي المصب، خاصة اتفاقية عام 1959 التي سيفرغها سد النهضة عملياً من مضمونها".
لكن الوضع حالياً يختلف عما كان عليه حتى في ربيع العام الحالي، عندما كانت مصر والسودان يسعيان إلى إعادة الفصل بين المسارين نهائياً، بالتركيز على مشاكل السد، خاصة بعدما اقتنعت السلطة الحاكمة في السودان -بعيداً عن بعض الدوائر الحكومية الفنية- بخطورة تسليم قرار التحكم في النيل استراتيجياً إلى إثيوبيا.
وكانت إثيوبيا قالت في إبريل/نيسان الماضي، إنّ الطريق الوحيد الذي يمكن لأديس أبابا السير فيه هو تشكيل آلية لتبادل البيانات حول الملء الثاني بدون اتفاق شامل على الملء والتشغيل يؤمن مصالح مصر المائية. وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم لمخالفته مقررات القمم الأفريقية التي عقدت حول ملف سد النهضة والتي أكدت ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد. وقال الناطق باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية، محمد غانم، وقتها، إنّ هذا المقترح "لا يعدو محاولة مكشوفة لاستخلاص إقرار مصري على المرحلة الثانية من الملء التي تنوي إثيوبيا تنفيذها خلال الصيف، حتى لو لم تصل الدول الثلاث لاتفاق حول ملء السد وتشغيله".
وأبلغت الدولتان جميع المراقبين والوسطاء رفض الاكتفاء بهذه الآلية خلال خطابيهما الأخيرين لمجلس الأمن، لكن إثيوبيا اختارت التصعيد مرة أخرى خاصة بعدم تفاعلها أو حتى إشارتها إلى ما يمكن وصفه بالمبادرة السودانية الأخيرة، حول الاتفاق المرحلي وفق ثلاثة شروط أبرزها التوقيع على كل ما جرى التوافق عليه حتى الآن، وهو ما يمثل نحو 90% من جوانب الاتفاق النهائي مثل عدد سنوات الملء والتبادل اليومي للبيانات وسلامة الإنشاءات، (فضلاً عن اشتراط ضمان استمرارية التفاوض بعد المرحلة الأولى، بحيث تصبح الاتفاقية المرحلية ساريةً إلى أن تجدد باتفاقية أخرى، وأن يكون التفاوض بين الفترة الأولى والتالية وفق برنامج زمني محدد). بل إن الإشارة الإثيوبية الوحيدة في خطاب أديس أبابا، للمخرجات السابق التوافق عليها، حملت إنكاراً تاماً وجذرياً للمسودة التي وقعت عليها مصر منفردة في واشنطن ربيع العام الماضي. يأتي ذلك على الرغم من أن المبادرة السودانية تلبي مطالب مصر والسودان وتسهل على إثيوبيا قبول العودة لمفاوضات جادة، ولكنها تتطلب انضباطاً صارماً في تحديد ضمانات استئناف التفاوض بعد توقيع الحلقة الأولى من الاتفاق، بحيث تلتزم الأطراف الثلاثة بالتفاوض فعلياً وفقاً لجدول زمني محدد وقصير، بعد إتمام الملء الثاني، أياً كانت كمية المياه التي ستستطيع إثيوبيا حجزها في بحيرة سد النهضة.
وتعليقاً على الخطاب الإثيوبي لمجلس الأمن، والذي أعلنت أديس أبابا عنه رسمياً أول من أمس الجمعة، بعد تسليمه بيومين (الأربعاء)، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن "لهجة الخطاب وتركيزه على اتهام القاهرة والخرطوم بعرقلة التوافق يجعل البلدين يفكران ملياً قبل قبول دعوة وجهها الاتحاد الأفريقي لعقد اجتماع فني يومي الخميس والجمعة المقبلين بين وزراء الري في الدول الثلاث والخبراء في كينشاسا"، وهو الأمر الذي أخطر به الرئيس الكونغولي الديمقراطي فيليكس تشيسيكيدي، ترويكا الاتحاد الأفريقي في تقرير عرضه عليها الخميس الماضي.
وأظهر اجتماع هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، الخميس الماضي، تباعد مواقف القاهرة وأديس أبابا. وشهدت الجلسة مشاركة افتراضية لكل من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ونظيره المصري مصطفى مدبولي ووزير الخارجية المصري سامح شكري. ونشر أبي أحمد تغريدة أشار فيها إلى أن الاجتماع تطرق إلى تبادل المعلومات حول سد النهضة. من جهته خصص مدبولي كلمته للحديث عن أفكار حول مساهمة مصر في إمداد الدول الأفريقية بلقاحات كورونا.

إعلان
تابعنا
ملفات