قراءة تحليلة لقصيدة الشاعر/ ناصر ضيف الله داود (أهل الجبل)

20-01-2021 09:40:07    مشاهدات281


واي إن إن - مسعد عكيزان


النص

(فهذا الجبل واهله اجابه لمن سأل)

لأهل الجبل في صفحة المجد (والجبل)
      تسجل  ملاحم  بالبراهين   والدليل

بطولات في التاريخ  يضرب  بها المثل
    وتبقى على مر الزمن جيل بعد جيل

فقف يازمن لحظه  قليله   على الأقل
    وشاهد  فيالق  عشقها  كل  مستحيل

تنال   المعالي   لو  مداها  مدى    زحل
    وتأبا الدنايا  أو ترى   بالشرف  بديل

تأمل   فعايلهم   متى   ما   البلا    نزل
    ودار الرحا  واتخالف  الكيل والمكيل

ودقت  طبول  الحرب  والقابس اشتعل
    وثارت وعجت وانزلت خطبها الجليل

مثوره بها الناموس قد عانق الاجل
    وصوت المدافع والصدى عانق العويل

ودون الشرف والحي يقتل من انقتل
     حياة الكرامه دونها شرق الصميل

تجي للمنايا اقيال تمشي على عجل
    تسابق رصاص الموت تواقة الرحيل

تجدهم نهار الهول اهول من الهول
    شعوث المفارق جن شاحط وشرحبيل

سرايا صواعق لا العدو شافها انذهل
   ومن قبل مايقتل تجي وإن قده قتيل

بقى خصمهم قدامهم غير محتمل
          ولو كان ذا قوه يعوّد وهو ذليل

جهازيم لا قامت على الغاوي اعتدل
     ولاخالف المله ترده إلى السبيل

ولو يوم قالت للجبل ينقل انتقل
      وتدي بدل هيلان عيبان في السحيل

ولا غادر الساحه بطل يخلفه بطل
   توارث على الجودات والجمل والجميل

تكاتف وشورى صدق في القول والعمل
     ولابينهم فجوه لخاين ولا عميل

ولامن يساوم في الكرامات بالحيل
   ولا من يبيع الأرض والعرض أو يميل

ولا إبليس حاول يدخل الصف مادخل
     تجي له نيازك ناريه تشعله شعيل

شهب من عقول اقرام ماتقبل الجدل
      ولا في القبيلة تقبل البرم والغزيل

تشوف القبيلة عينها وأنها السبل
   تحافظ عليها من قذى كل شي دخيل

تصل بالعزيمه حيث ماتشتهي تصل
   ودون الهدف ماتقبل الكثر والقليل

مقامات والوالد بها يوصي العول
  ويبقى الموصى والوصي دايما اصيل

جمل ينقل احماله بدوره على جمل
    ولا منهم واحد شكى حمله الثقيل

على نهج الاول يحمل التالي الثقل
   وفوقه يضيف اثقال واقلا بها النقيل

مزايا عليها يبذل الشخص مابذل
     ولا فارق الدنيا مزاياه ماتزيل

فهذا الجبل واهله اجابه لمن سأل
    ولا قلت عنهم في المزايا سوا القليل

عليهم سلامي ما لما البرق وانهمل
من ارداف الاقناف المطر والعطف تسيل

            شعر/ناصر ضيف الله داوود


ــــــــــــــ
القراءة


أولا: التحليل الفني:

يستهل الشاعر قصيدته في أسلوب خبري يقوي المعني باستخدام لام الملكية مؤكدا المكانة التي يشير إليها، واستحقاق ممدوحيه لها عن جدارة نافيا عن ذهنية المتلقي أي شك يساوره في ما يشير إليه من خلال سياق النص الذي يندرج ضمن غرض المديح.
ويمضي في الشطر الثاني بمطلعه بفعل مبني للمجهول(تُسجَّل) دلالة على عموم الخبر الذي ساقه وعدم نسبة الفعل إلى شخص بعينه أو جهة دون أخرى دلالة على بديهية ما طرحه وأنه بمثابة لازم الفائدة التي يعلم بها المستمع من قبل، وإنما ساقها من باب المدح والثناء، وكمقدمة لما سيطرحه على المتلقي.
ولم يقصر هذه المكانة لممدوحيه فقط، ولكنه بدأ بالإشارة إليهم بمصطلح تركيبي مكون من المضاف (أهل) إي الإنسان، والمضاف إليه (الجبل)المكان، وهنا إشارة إلى اكتساب المكان لما يحوزه أهله من مكانة وتقدير.

ومن البديهي أيضا أن ينطلق الشاعر من استعراض تلك المحطات التي جعلته يتناول موضوعه متنقلا في البعد الزمني بين الحاضر والماضي كتأكيد أيضا لاستحقاق هذا الكرنفال الشعري، فالمناسبة هنا ليست آنية بل هي مسار تاريخي طويل نراه هنا ركيزة وإطارا موضوعيا بني عليه النص بالكامل، وإنما كانت الأحداث الأخيرة مجرد حافزا وشرارة أيقضت القريحة الشعرية لاستنهاض الذاكرة في استعراض هذا السجل التاريخي الطويل الذي يشير إليه النص، والذي جعل تلك البطولات مضربا للأمثال، وحديثا متناقلا.


وفي البيت الثالث ( فقف يازمن لحظه.....)
يطالعنا الشاعر بصورة فنية مبنية على التشخيص بمخاطبته للزمن بإسلوب إنشائي طلبي في صيغة الأمر، غرضه أيضا إظهار عظمة الممدوح التي تجعل من السياق الزمني يرتهن للموقف الذي يستدعي الالتفات وبقوة لظاهرة تخالف المألوف ستطالعنا تفاصيلها في السياق القادم، غير أنها تستوقفنا هنا عبارة (عشق المستحيل) فهي دلالة فنية على عظيم فعائلهم التي جعلتهم يخالفون المألوف ويستحقون هذا القدر من الثناء والتبجيل.


ضمير المخاطب المستتر في الفعل (تنال.. )في مستهل البيت الرابع عائد على (الفيالق)الواقعة في موقع المفعولية في البيت السابق كمبرهنة لاستمرار الصورة وترادفاتها أمام المشاهد وتلك الفيالق تحوز وتنال كل ما أرادت مهما كان بالمفهوم التقليدي مستحيل البلوغ، ويردف الصورة باستعراض لبعض القيم الأخلاقية التي هي منطلق للسلوك وحافزا له إظهارا أن الحدث ليس اعتباطا ولكنه رؤية فلسفية وثقافة عتيدة تربى عليها الجيل بعد الجيل، والذي سبق أن طالعناه في البيت الثاني كدلالة واضحة تشير إلى دينامية الفعل المستمرة بلا انقطاع فجاء هنا يؤكد تلك، ويربطها بالمنطلقات القيمية لها مصورا المشهد محللا خلفيته وركائزه الأساسية.

(تأمل   فعايلهم ......)
وهنا يضع الشاعر المتلقي في الصورة ـ وبإسلوب فني بليغ ـ إذ يصور له المشهد حين احتدام الموقف فيوظف الاستعارات التقليدية لوصف حيثيات الحرب تنزيها للنص عن الهبوط إلى المباشرة فالحرب هنا رحى ًتطحن ما بين حجريها دون هوادة، والأبطال في مواجهات مباشرة يكيلون لبعضهم الرصاص دلالة على شدتها وعدم هوادتها فلم يوظف صورة أخرى كتشبيه الرصاص بغزارة المطر بل جعله كالكيل وأين ذلك من هذا في الكثرة؟!!

(ودقت  طبول.... ) 
ولتكثيف الخطاب الشعري يستدعي الشاعر صورة مجازية لها مكانتها في التاريخ العربي المقترن بالحروب والمعارك التي كانت تدق لها الطبول، ولم تخل الصورة كذلك من إشارة إلى الحدث الفعلى بجزئية حقيقية (اشتعال القابس)
ويردف كذلك باستعارة تتكئ على قرينة ماثلة في الخطاب السابق يربطها بها أسلوب العطف، والصورة عامة لإيضاح شدة احتدام المعركة، ولحث المتلقى على استمراره في مشاهدة أفعال الممدوحين واستبسالهم مهما كانت شدة الحرب.

(مثوره بها الناموس....)
ويصور الشاعر الحرب بـ (المثورة) وهي السحب المحملة بالمطر حين تجتمع وتسوقها الرياح إلى حيث مشيئة الله أن تمطر فتبدأ بروقها تلمي متواصلة يليها صوت الرعد القاصف لينهمر بعده وابل المطر.
وهذا التشبيه قد يجد فيه المتلقي شيئا من الإشكالية في تحليله، غير أن وجه المقارنة للمتأمل سيظهر جليا، فاجتماع السحب وتراكمها فوق بعض يشبه تماما العمليات التحضيرية التي تسبق العمليات العسكرية ومعاركها الضارية، حيث وعند بدء القتال تظهر نيران وأضواء الأسلحة المستخدمة (الخفيفة والثقيلة) ويرافقها كذلك دويها الذي يصم الآذان، وأثناء ذلك ينهمر وابل رصاصها على العدو.
لذلك شبهت ساعات المعركة بالمثورة الشديدة.

(ودون الشرف....)
هنا نطالع معادلة غير قابلة للتفاوض أو تغير معطياتها إطلاقا حتى غدت مسلمة وبديهية للكل، والكل لا يتقاعس بالتضحية من أجلها بالنفس وبكل ما يملك؛ كونها عنوان هوية وبطاقة صيرورة يستحال تغيير بياناتها، أو التنازل عنها مهما كلف ذلك.

(تجي للمنايا اقيال...)
يتكئ الخطاب الشعري هنا على دلالة تاريخية معروفة، وهي اللقب السبئي لأكابر القوم أو أعيانها ومشائخها، والصورة هنا مناقضة للمألوف؛ فمن المعروف كراهة الإنسان للموت بينما نجد هؤلاء يحثون الخطا إليه ويسرعون، بل ويسابقون الرصاص بنفوس تواقة للموت والحصول على الشهادة في سبيل التضحية لتحرير موطنهم وصد المعتدي والباغي، وتلقينه أبلغ الدروس في الشجاعة والاستبسال من أجل الكرامة والعزة.

(تجدهم نهار الهول.....)
وهنا يظهر لنا استخدام التطريز بالمحسنات البديعية في توظيف مفردة (هول) ونسج الصورة الشعرية من بعض مشتقاتها في جناس ناقص يظهر الحرفية في بناء الصورة الشعرية وتلوينها بما يجده الشاعر ملائما من البديع أو أي أسلوب آخر من الأساليب البلاغية والتي تتوافق مع الخطاب الشعري كصيغة بنائية وموضوعية إيضا إذ تحمل في مضمونها دلالة تشير إلى جزئية معينة من مكونات النص تكتمل به الصورة الكاملة والإطار العام.
وهنا أيضا نجد الإسقاط الرمزي وتوظيف الأسطورة في صياغة الصورة الشعرية، إذ جعلت من الأبطال يظهرون بصور الجن كدلالة على سرعة التحرك والمباغتة وامتلاك فنون الحرب وأساليبها القتالية بصورة ربما سمت إلى درجة متخيلة جعلتهم بهذه الصورة التي نراها، وكأننا أمام سيناريو مصور لوقائع الحرب نشاهد فيها الأبطال في ملحمة بطولية غير اعتيادية قد لا نطالعها إلا في السينما أو الملاحم الأسطورية كالإلياذة وغيرها من الملاحم الخالدة التي ترتبط بالحرب ارتباطا لصيقا إذ تتناول حيثياتها في سياق شعري يوثقها لتصبح مفردة ثقافية تنهل منها الأجيال الكثير من الدروس والعبر.

(سرايا صواعق...)
وهنا يظهر الجانب التنظيمي والتكتيك العسكري الذي يبتعد عن الارتجالية والعشوائية التي قد تحدث الخلل وضياع الجهد، فها هم هنا ينظكون أنفسهم في سرايا إذا ما لاحت للعدو أرهبته وسببت له هزيمة نفسية قبل أن تهزمه على الأرض، وقبل أن يبادر إلى قتالها تسبقه وتوقع به وهو في غمرة انذهاله لتسلبه الأرواح وتقطف النصر قبل أن يصحو العدو من تلك الحالة التي أصيب بها.

(بقى خصمهم ......)
ويقدم الشاعر هنا دراسة تحليلية استراتيجية للوقائع من منطلق تقدير الإمكانيات والروح القتالية والحماس والمعنوية العالية التي تجعل صاحبها مؤهلا للنصر واستحقاقه وتوقعه قبل وقوعه مهما كانت امكانات الخصم القتالية.

(جهازيم لا قامت....)
هنا تلوح لنا الصورة النمطية لأفراد هذا الجيش القبلي الذي يمثل سدا منيعا وحصنا حصينا أمام العدو لا يمكن تجاوزه أو إسقاطه، فهم إن قاموا أجبروا الغاوي على الاعتدال والعودة إلى جادة الصواب، وإن خالف العقيدة لقنوه الدروس البليغة والعقاب القاسي الذي يجعله يعود صغيرا دليلا دون أن يلوي على شيء.

(ولو يوم قالت للجبل ينقل.....)
تصوير سريالي لمدى القدرة في إحداث الفعل وأثره، وهي مبالغة اعتادها غرض المدح طوال تاريخ الأدب ربما بدأ ظهورها بكثافة في عصور الدول المتأخرة أو (العصر الوسيط) في مسيرة الشعر العربي.
والغرض هنا بيان ما يمتلكه هؤلاء الأبطال من إمكانيات وقدرات تسمو بهم إلى بلوغ ما أرادوا، وكأنهم لو هتفوا للجبل أن انتقل لأذعن لأمرهم وانتقل من مكانه، والشطر الثاني هو إطناب شعري لتكثيف الصورة الشعرية بذكر أماكن معلومة كجبل هيلان ومنطقة السحيل.

(ولا غادر الساحه .....)
هكذا هي القبيلة دائما فالبطولة أهم معاييرها التي تركتد عليها كينونتها، وهكذا هم أبطالها يتوارثون المكانة الاجتماعية الدلالة المعيارية للوجود والهوية كذلك؛ فلا وجود للقبيلة دون وجود قيمة الشجاعة التي تعبر عن الفروسية تلك التي رصد لها الأقدمون مجموعة من المعايير أو الشروط لاستحقاقها، وهي هنا أيضا تتضح لنا أنها ليست مجرد القوة المادية الجسدية بل تتعداها إلى جانب معنوي تعبيري يظهر أثره في السلوك الاجتماعي لأفراد القبيلة فيما بينهم ومع الآخرين كذلك وهي الكرم (الجودات) والجمل والجميل (صناعة المعروف والأثر الطيب) الذي يترك لصاحبه الذكر الطيب والسيرة الحسنة على ألسن الناس فيبقى كيانا حاضرا حتى بعد رحيله؛ خلافا عن توريثه لتلك المنظومة القيمية لمن بعده من أولاده.

(تكاتف وشورى.....)
وهنا تظهر الوحدة في الموقف والرأي، في القول والعمل حيث يترجم الأخير الأول إلى تطبيق عملي يتجاوز الإطار النظري إلى سلوك ملموس ومشاهد، وهذا الحال لم يترك فرصة لوجود أي فجوة أو ثغرة تسمح للخيانة إو العمالة أن تظهر كون الصف واحد والرأي واحد، فلا فرقة ولا خلافات ولا حساسيات ولا تمايزات تترك وقعها في النفوس.

(ولامن يساوم ....)
ويمضي السياق معطوفا على ما قبله مظهرا عدم وجود مجال للمساومات بما يمس بالكرامة ويقدح في صدق الموقف والثبات بالحيل الخسيسة والأغراض الدنيئة أو المصالح الآنية التي تتعارض مع الغاية الأسمى التي يضحي الجميع من أجلها.

(ولا إبليس حاول....)
وهنا تأكيد أنه لو حتى وجدت أي محاولة لتفريق الصف أو التغلغل وسطه فإنها تسقط فوق رأسه نيازك حارقة لتهلكه وتخيب مسعاه، وهنا إسقاط رمزي ضمني للنص القرآني وظفه الشاعر بحرفية في صياغة الصورة الشعرية.
و (لا) فس الدارجة تستخدم بدلا من (إذا) الشرطية، وذلك ابتعادا عن الهمز كون الدارجة لا تهمز، وإذا غيرت همزة (إذا) من قطع إلى وصل فإنها ستفقد مدلولها لذا عدلت إلى (لا) المخففة الألف لتعبر عن الأسلوب الشرطي الذي جاء فعل الشرط له (جعل) وجوابه (تجي) ليوضيح الفعل وردة الفعل في قانون لا يقبل التعذيل أو التغيير.

(شهب من عقول اقرام....)
هنا صورة تفسيرية توضيحية للصورة الشعرية السابقة توغل في شرح هذه الظاهرة ومنطلقاتها، وهي نبذ الفرقة والشتات ورفض كل المحاولات ولو كانت في ظاهرها مستساغة أو مغلفة بأطر مقبولة لمن يجهل بواطنها وفحواها؛ إلا أن هناك طوق أمان للقبيلة يتمثل في عقول كبارها وشيخوها أصبحت تمثل الفلك الذي يدور فيه أبطالها ويمتثلون لحكمتها حتى إذا أشارت لهم بوجود ثغرة أو محاولة انطلقوا كالشهب لكبحها وإحراق من يقوم بها دون إتاحة فرصة للنقاش حول ذلك أو إتاحة مجال للقال والقيل الذي قد تؤتى القبيلة من قبله.

(تشوف القبيلة ....)
صورة بلاغية غاية في الجمال إذ تصور القبيلة بمثابة العين، وأبطالها لها بمثابة (السبل) وهو شعر الجفن الذي يحمي العين ويحافظ عليها.
والصورة هنا لا تقف عند الحد الذي نتصوره بل إنها تتعداه إلى إيضاح المعنى الأدق في العناية والحماية من أبسط وأهون ما قد يؤذي القبيلة، فتم هنا توظيف مفردة (القذى) وهو ما قد يصيب العين من دقائق ذرات الأتربة أو غيرها فيسبب لها التحسس والألم.

(تصل بالعزيمه.....)
وهنا تكثيف لسياق شعري سابق طالعناه في البيت (تنال المعالي .....)
ولكن ربما كان الفرق أن الصورة في البيت السابق معنوية بينما هي هنا حسية تقترب أكثر من الدلالة المباشرة كون الموقف يتطلب ربط السياق الشعري بالواقع وإخراجه من عباءة المجاز إلى لباس الحقيقة الناصعة.

(مقامات والوالد .....)
صورة قيمية تستعرض في الأبيات التالية متوالية لا انقطاع لها يتوارثها الأبناء من الآباء ويورثونها لأبنائهم حفاظا على الأصالة والعراقة .
هي منظومة قيمية، وعقد اجتماعي كان له أثره البارز في الحفاظ على هذا الإطار الاجتماعي الذي وقف شامخا وسدا منيعا أمام المتغيرات والأحداث الراهنة، وأخطرها التأثير الإيديولوجي الذي يعبر عن صراع فكري هو الأشد خطرا وفتكا من الصراع العسكري الذي هو مجرد نتيجة لمواجهة أخطبوط فكري يحاول أن أن يمد أذرعته على البلاد بالكامل؛ غير أن القيم الاجتماعية والتقاليد المتوارثة والأعراف الأصيلة تأبى أن تؤطر في إطار نشاز لا يتسع لها إطلاقا كونه مغاير لها جذريا.

(جمل ينقل احماله......)
كثيرا ما يشبه الرجل بالجمل في الصبر والتحمل والمجالدة، والصورة هنا تظهر لنا الحياة رحلة طويلة نحن فيها رحالة، وما إن يتوقف أحدنا حتى ينتدب عنه من يحمل عنه ما كان يحمله، ولا يظهر الأخير الشكوى أو التبرم لثقل الحمل، بل يقوم بمهمته على أكمل وجه ويمضي في مواصلة الرحلة دون توان ٍأو تقصير كونه حلقة نقصها سيؤدي إلى فراغ سيكون له تأثيره السلبي البارز في تاريخ القبيلة وسجلها، وستظل تتبعه المذمة طوال حياته، بل وتبقى بعد رحيله.

(على نهج الاول .....)
ليس ذلك فقط بل إن كل جيل يتحمل مسؤوليته تجاه أعباء الحياة حاملا معه دستورا تركه له الأسلاف، فيضيف إليه ما تتطلبه مستجدات الحياة، وما تفرضه طبيعة اختلاف ظروف الحياة بين الأجيال ما يؤدي إلى زيادة الأعباء والمسؤولية.
والصورة إجمالا كناية عن الاستمرارية والبقاء على نهج الآباء والأجداد، والمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم وآثارهم القيمية

(مزايا عليها .....)
(مزايا) هنا عائدة على كل ما سبق من صفات شملها السياق الشعري السابق ، وتتضح هنا أهمية المحافظة على تلك المزايا والتضحية في سبيلها بالنفوس والمال من أجل بقائها واستمرارها كنهج حياة لا حياد عنه.

(فهذا الجبل واهله......)
اسلوب استئنافي يختزل السياق الشعري كاملا أنه إجابة لمن يسأل عن ممدوحيه الذين ساق فيهم كل ذلك، ويقول للمتلقي هذه هي الإجابة لمن سأل عن الجبل وأهله؛ إجابة شافية حملت كل التفاصيل في سياق شعري غني مشبع بالتصوير الفني.
وفوق ذلك يوضح الشاعر أنه لم يقل إلا القليل عنهم، وربما يقصد بذلك أنه تناول الموضوع في سياق عام دون إيغال في التفاصيل التي ستستلزم منه حينها أن يكتب ملحمة طويلة لا انقطاع لها قد توازي الآلياذة ذاتها أو تتجاوزها.

(عليهم سلامي......)
اختتام السياق الشعري بقفلة محكمة البناء مستهل بشبه جملة مكونة من جار ومجرور الضمير فيها واقع في محل جر مضاف إليه يعود على الممدوحين (أهل الجبل) في صورة نمطية كثيرا ما وظفها الشعراء في مطالعهم وفي سياقات قصائدهم أو في اختتامها.

ثانيا: البنية الخارجية:

كتب الشاعر قصيدته على بحر الطويل الذي يشغل حيزا كبيرا في الأدب العربي نظرا لاستيعاب موسيقاه الفخيمة لمواضيع الشعراء في مختلف الأغراض الشعرية من مدح ورثاء وحماسة وغزل ووصف وغيرها من الأغراض المعروفة
واختار الشاعر لقصيدته قافية سلسة اتخذت من حرف اللام الساكن رويا للشطر الأول، والياء جوابا له في القافية الأصلية (أي قافية الشطر الثاني)
وهذا الحرف الذي اختاره الشاعر من حروف الصوامت الانفتاحية الناتجة عن احتكاك تيار الهواء الخارج من الجهاز التنفسي بجدران الممر الصوتي، وهو كذلك من الحروف اللثوية التي تتمتع بصوت جهوري يتناسب مع موضوع النص ويعبر عن ماهيته بما يتوافق مع طبيعة هذا الحرف كإطار لغوي أصلى تركتز عليه البنية اللغوية للقصيدة كونها تتبع نظام العمود الذي يرتكز أساسا على البحر والقافية.
وهذه الركيزة أكسبت الموسيقى الداخلية للنص القوة والتأثير في نفس السامع ما يضمن للنص وصوله وإبلاغ رسالته التي هي بمثابة شهادة للتاريخ أراد الشاعر توقيعها بصيغة شعرية ليضمن لها التداول والحياة.

وقد جاء حجم النص متوسطا في سبعة وعشرين بيتا لم تكن بالقصيرة المختصرة ولا الطويلة المسهبة، رغم أن النص لم يخل من التكرار والتدوير لكثير من الصور طالعتنا في عدد من الأبيات المتفرقة في ثناياه.

والنص صيغ بلغة حية متداولة مفهومة لكل من يقرأه بما حواه من مصطلحات ومفاهيم وقيم اجتماعية وأخلاقية وأعراف وتقاليد صورت الحياة في ثنايا النص بصورة جلية لا غبار عليها.

ثالثا: البنية الداخلية (الفنية):

يتناول النص غرض المدح في قالب طرزه الشاعر بأساليب بلاغية وبيانية وبديعية أظهرت البنية الداخلية مترابطة بشكل قوي متدرجة في خطابها إذ استهل الشاعر بصورة عامة منتقلا بعد ذلك إلى تناول تلك الصورة بالتفصيل وتوضيح مفرداتها.

وعند تتبع سياق النص نجد غلبة الأسلوب الخبري على الإنشائي، وهذا يحسب للشاعر كون الأسلوب الخبري أقوى أثرا في نفس المتلقي من الأسلوب الإنشائي.

وتظهر البنية الموضوعية بصورة قوية إذ إنها تمتح من خلفية معرفية غنية مكنت الشاعر من بنائها بحرفية واقتدار، فأخرج النص بهذه الصورة التي تترك أثرها البليغ لا محالة في نفس المتلقي ليضمن بالأخير للنص حياته وتداوله في الأوساط، وهذا ما حظي به بالفعل في التواصل الاجتماعي في بيئة الشاعر ما أثار الإعجاب في النفوس بالنص وبشاعرية صاحبة الذي يمتلك باعا طويلا في الشعر الغنائي منذ فترة طويلة ولديه أرشيف شعري يستحق التحقيق والتوثيق حفاظا عليه وإخراجه في أعمال غنائية كونه يعبر عن الهوية الثقافية للمنطقة.

ختاما ... تحية تقدير للشاعر المتألق دوما ناصر ضيف الله الذي يطالعنا كل فترة برائعة من روائعه الشعرية متمنيا عليه استمرار تدفقه الشعري وعدم الرضوخ للانطواء وطي مسيرته الشعرية اللافتة.
إعلان
تابعنا
ملفات