واي إن إن - متابعات
واجهت سورية أول من أمس ما يمكن وصفه بأول محاولة لإشعال شرارة فتنة طائفية عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الحالي، جراء ما شهدته محافظات سورية عدة، خصوصاً في ريف حمص والساحل السوري، تحديداً مدينتي اللاذقية وجبلة، من احتجاجات تسبب فيها نشر مقطع فيديو يعود لقرابة أسبوعين يظهر مسّاً بمقام ديني خاص بالطائفة العلوية في حلب تزامناً مع اشتباكات بين الأمن العام التابع لإدارة العملية العسكرية (القيادة السورية الجديدة)، مع مسلحين مطلوبين للأمن العام. وهو ما عزز الاعتقاد بوجود مخطط مدروس للتحريض على الفتنة في سورية لا سيما بسبب توقيت نشر المقطع المصور والتحريض على الاحتجاج وهوية بعض من شاركوا في التظاهرات. وإذا كانت وزارة الداخلية تحت إدارة القيادة الجديدة قد سارعت إلى فرض حظر تجوال، خصوصاً في حمص وجبلة لضبط التوتر الأمني ومنعه من الانفلات على نحو أوسع، فإن البيانات المتعددة التي خرجت تباعاً، بما في ذلك وجهاء الطائفة العلوية، كان لها دور مؤثر في تخفيف التوتر والاحتقان وتطويق محاولة بث فتنة طائفية في سورية وسط قناعة لدى كثر داخل سورية أن محاولات تأليب السوريين على بعضهم البعض، سواء من قبل أنصار النظام الذي لطالما غذّى التجاذبات الطائفية في البلاد، أو قوى إقليمية تبشّر في تصريحات مسؤوليها سورية بالخراب، يجب عدم السماح بها، وتتطلب أقصى درجات الوعي من قبل جميع الأطراف لقطع الطريق أمام التحريض، وما قد يسفر عنه لا سيما أن ما عاشته سورية الأربعاء الماضي لا يمكن استبعاد تكراره. ولم يتأخر وجهاء الطائفة العلوية في مدينة حمص، وسط سورية، في إصدار بيان دعوا فيه الى "تسليم السلاح إلى الجهات المختصة خلال مدة أقصاها خمسة أيام". كما دعا الوجهاء إلى الابتعاد "عن كل ما يثير النعرات الطائفية، سواء عبر الشعارات أو الخطاب الإعلامي"، مطالبين السلطة الجديدة بـ"اتخاذ مواقف حازمة ضد أي محاولة للمساس بالأمن والسلم الأهلي، والحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة"، مؤكدين على وحدة الشعب السوري. وشهدت مدن حمص واللاذقية وجبلة، أول من أمس الأربعاء، تظاهرات، إثر انتشار مقطع فيديو يظهر مسّاً بمقام ديني خاص بالطائفة العلوية في حلب، تبيّن لاحقاً أنه قديم و"قامت به مجموعات مجهولة"، وفق بيان لوزارة الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة. واضطرت الوزارة إلى فرض حظر للتجوال في عدة مناطق للسيطرة على الاضطرابات والتي جاءت بالتزامن مع مقتل 14 عنصراً وإصابة 10 من قوات الأمن الداخلي في كمين بريف طرطوس أثناء محاولة القبض على أحد المتهمين البارزين بارتكاب مجازر إبان عهد بشار الأسد، وهو ما زاد من حجم التوتر والاحتقان في البلاد ومحاولة إشعال فتنة طائفية في سورية. وقال وزير الداخلية السوري الجديد محمد عبد الرحمن على منصة تليغرام إن 14 عنصراً في الشرطة قتلوا وأصيب 10 على أيدي "فلول النظام البائد"، متعهداً "بالضرب بيد من حديد" لكل من "تسول له نفسه العبث بأمن سورية وحياة أبنائها". وأطلقت الإدارة الجديدة في سورية حملة أمنية في طرطوس، متعهدة بملاحقة "فلول" نظام الأسد، فيما ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن محمد عثمان المحافظ المعين حديثاً لمنطقة اللاذقية الساحلية المجاورة لمنطقة طرطوس التقى وجهاء ومشايخ علويين بهدف "تشجيع التماسك المجتمعي والسلم الأهلي في الساحل السوري" وفي إطار تطويق محاولات بث فتنية طائفية في سورية. وبثت وكالة الأنباء السورية (سانا) مشاهد لانتشار عناصر إدارة العمليات العسكرية في قرية خربة المعزة بريف طرطوس بهدف ملاحقة "فلول مليشيات الأسد وحماية المدنيين وإعادة الأمن والاستقرار". ووفق الوكالة فقد "تمكنت إدارة العمليات العسكرية، ضمن عملية ضبط الأمن وحفظ السلم الأهلي التي أطلقتها بالمحافظة، من تحييد عدد من فلول مليشيات الأسد في أحراج وتلال ريف طرطوس بينما تستمر في مطاردة آخرين". وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان أمس الخميس، عن سقوط ثلاثة قتلى خلال هذه العملية، موضحاً أنهم من صفوف "المقاتلين الموالين للنظام السابق". وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن "متظاهراً قُتل وأصيب خمسة بعدما أطلقت قوات الأمن النار لتفريق المتظاهرين" في حمص الأربعاء الماضي. وفي إطار محاولات السلطة للتخفيف من التوتر، أعلنت وزارة الإعلام السورية، أمس الخميس، حظر تداول أو نشر أي محتوى إخباري ذي طابع طائفي. وقالت الوزارة، في منشور على صفحتها في موقع فيسبوك: "حرصاً على تعزيز الوحدة الوطنية وصون النسيج السوري بجميع مكوناته، يُمنع منعاً باتاً تداول أي محتوى إعلامي أو نشره، أو محتوى إخباري ذي طابع طائفي يهدف إلى بث الفرقة والتمييز بين مكونات الشعب السوري". ووصلت تعزيزات أمنية كبيرة، أمس الخميس، إلى الساحل السوري في شمال غرب سورية، وسط اشتباكات بين عناصر من وزارة الداخلية السورية ومجموعات مسلحة وصفت بـ"الخارجة عن القانون". وجاء التصعيد في الساحل السوري بالتزامن مع بدء حملة أمنية واسعة النطاق في مناطق قدسيا، والهامة، وجبل الورد، وحي الورود في ريف دمشق، جنوب غرب سورية، وتهدف إلى تمشيط هذه المناطق، وضبط السلاح غير الشرعي، واعتقال المتورطين في أعمال الشغب. وقالت مصادر من إدارة العمليات العسكرية، لـ "العربي الجديد"، إن العمليات الأمنية تشمل تفتيشاً دقيقاً للمواقع والمزارع التي تتمركز فيها مجموعات خارجة عن القانون لديها ارتباطات بـ "الحرس الثوري الإيراني" ونظام الأسد، مع التركيز على تفكيك البؤر المسلحة وضمان عودة الاستقرار إلى المناطق المستهدفة. وتهدف الحملة أيضًا إلى توجيه رسائل حازمة بشأن الالتزام بالقوانين، والحفاظ على الأمن المجتمعي، ومنع انتشار السلاح العشوائي". وأكدت مصادر محلية في مدينة حمص أن عدداً من أنصار النظام السابق، من عسكريين ومدنيين، "كانوا الشرارة لانطلاق التظاهرات يوم الأربعاء والتي رفع المتظاهرون فيها شعارات طائفية في محاولة لإشعال فتنة في المدينة التي تضم العديد من مكونات الشعب السوري". وفي هذا الصدد، قال رامز م، الذي يقطن حي النزهة في حمص، لـ"العربي الجديد"، إن "عموم أبناء الطائفة العلوية يقفون ضد محاولات نسف الاستقرار تحت ذرائع زائفة"، مضيفاً: "عدد كبير ممن شارك في التظاهرات الطائفية متهمون بارتكاب فظائع ويحاولون الضغط على السلطة الجديدة للحصول على عفو من المسؤولية وينجيهم من العقاب". وربط كثيرون بين الاضطرابات التي حدثت في مناطق انتشار العلويين في سورية وبين تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين المناهضة للسلطة الجديدة في سورية، أبرزها توقع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أخيراً، أن "تظهر جماعة شريفة قوية في سورية أيضاً"، مضيفاً أن الشباب السوري ليس لديه ما يخسره "فجامعته غير آمنة ومدرسته غير آمنة وشوارعه غير آمنة وحياته كذلك أيضاً"، متهماً أميركا والكيان الإسرائيلي بنشر الفوضى في سورية. وقال إن "الشباب السوري سيتصدى لهم وسيتغلب عليهم". وأعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الأربعاء الماضي، أن سورية تواجه مستقبلاً غامضاً بعد إطاحة الأسد. وقال، بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إيسنا"، إنه "من المبكر للغاية الحكم على مستقبل سورية، حيث يمكن للعديد من العوامل أن تؤثر بشكل كبير على الوضع السياسي هناك"، مضيفاً أن "من يعتقدون حالياً بتحقيق انتصارات مؤكدة، لا ينبغي لهم أن يفرحوا قبل الأوان". وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، أن "أحد الشيوخ المقربين من إيران في حمص دفع في تظاهرة مساء الأربعاء (الماضي) باتجاه التحريض الطائفي بين أبناء الشعب السوري لضرب السلم الأهلي". كما شهد حي "المزة 86" في دمشق، والذي يقطنه أغلبية من الطائفة العلوية، توتراً مساء أول من أمس الأربعاء على خلفية التظاهرات التي شهدتها حمص ومدن وبلدات في الساحل السوري. وقالت صحافية سورية تقيم في العاصمة، فضّلت عدم ذكر اسمها، في حديث مع "العربي الجديد"، إن فلول النظام والذين كانوا يستفيدون منه من أبناء الطائفة "هم من يدفعون للاصطدام مع السلطة الجديدة"، مشيرة إلى أن هؤلاء "يدركون أن النظام انتهى ولا عودة له، لكن الاستقرار في البلاد ليس في مصلحتهم فهو يقرب موعد إحالتهم إلى القضاء". وأكدت أن "عائلة الأسد جعلت الطائفة العلوية رهن سياساتها التي دمرت البلاد"، مضيفة: قرى الساحل السوري تعاني من الفقر والإهمال طيلة أكثر من 50 سنة، بينما طبقة العسكر من الضباط في الجيش والأجهزة الأمنية وبعض المدنيين المرتبطين لهم، وحدهم استفادوا من النظام"، رافضة ربط النظام المخلوع بالطائفة العلوية، مضيفة: "لا نريد دفع ثمن نصف قرن من الانتهاكات التي قامت بها عدة عائلات علوية في البلاد". من جانبها، اعتبرت واحة الراهب، المخرجة السورية المنحدرة من ريف اللاذقية في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تطييف الشعب السوري الذي تعايش على مدى قرون بكل الطوائف والإثنيات والأعراق والأديان، لعبة استعمارية في المنطقة كان أداتها النظام الأسدي لتقسيم سورية على مبدأ فرق تسُد". وأضافت: "أي تظاهرات ذات طابع طائفي، خاصة بعد كل هذا التسامح الذي تعامل به ثوارنا المنتصرون مع الجميع، جزء من ثورة مضادة يقوم بها أزلام النظام وإيران وروسيا وفلولهم المهزومة لخلق فتنة بين شعبنا المحتفي بانتصاره". ورأت أن "شعبنا بجميع مكوناته واع لهذه الفتنة في سورية وسوف يحبطها"، مضيفة: كل مكونات المجتمع تحتاج أولاً للأمان ونظام مواطنة ديمقراطي انتخابي يبنى بعيداً عن أي تمييز ديني أو طائفي أو عرقي أو جنسي أو اثني. وتعليقاً على ما جرى الأربعاء الماضي، رأى الناشط السياسي عيسى إبراهيم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك انهياراً كاملاً لمؤسسات الدولة بسبب هروب الأسد، تاركاً البلاد للمجهول، بعد رفضه تسليم البلاد لهيئة حكم انتقالي. واعتبر أن حكومة "الأمر الواقع" الحالية "ليس لديها الإمكانات لإدارة دولة"، مضيفاً: هناك قوى من جماعات محلية مسلحة غير معروفة المرجعية وفلول عصابات الأسد، وكل ذلك انعكس على الواقع السوري، وخاصة في الساحل وحمص وغيرها من المناطق الذي يقطنها السوريون العلويون. وربط ما جرى أول من أمس مع مشهد "تم تظهيره خلال العقد والنصف الأخير لجهة الفرز الطائفي، على حساب تظهير الاصطفاف السياسي، وتكثيف ذلك بحرق مزارات والاعتداء عليها والتركيز الإعلامي المُجيّش بالفترة الأخيرة". وحول مبررات مخاوف الأقليات في سورية جراء التغيير العميق الذي جرى في البلاد في الثامن من الشهر الحالي، رأى الأكاديمي السوري يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأمر يعتمد على فهمنا وتعريفنا للأقلية، فإن كنا نراها على أرضية عقائدية طائفية، فالمخاوف غير مبررة لأننا نقول إن الشعب السوري واحد". وأضاف: من يؤمن بالثورة يجب ألا يقلق، والأمر ينطبق على "أقلية" و "اكثرية" بالمعنى العددي والمواطني والثوري.، وإن "كانت الرؤية أو التفكير بأن الأقلية هي أقلية النظام الاستبدادي، الذي احتوى من كل الطوائف أقلية وأكثرية، والذي فعل ما فعل بسورية وشعبها، فهذه الأقلية الاستبدادية يقلقها الحساب القادم، وتسعى لسحب ما يسمى الأقليات طائفياً، وتعميق الانقسام على أساس عقدي طائفي".
علي انوزلا
المهدي مبروك
مروان قبلان
عمر كوش
مصطفى البرغوثي