الجواسيس والعملاء في القيادة

09-04-2025 11:33:42    مشاهدات127

واي إن إن - مصطفى ناجي

أجرِ أبسط بحث عن توظيف التقنيات الحديثة والأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار في الاستخدامات العسكرية، ومدى تأثير هذا التوظيف على الحاجة الفعلية إلى وجود أفراد عملاء وجواسيس على الميدان. ستكتشف أن الحروب الحديثة أصبحت واقعًا مختلفًا تمامًا عن ما يدور في أذهان من يخوضون معارك تقليدية.
في معارك اليوم، تتقلص الحاجة إلى الاستطلاع عبر أفراد إلى درجة كبيرة في ظل توفير إمكانيات تقنية أكثر دقة وأسرع، إلى درجة أن المدة بين تحديد الهدف والضربة أصبحت دقيقة واحدة فقط. بل إن مقذوفات مدافع الهاون نفسها أصبحت تعمل عبر وسائل تحديد مواقع الأهداف باستخدام تقنيات الاتصال، وأصبحت مقذوفاتها قابلة للتوجيه.
أصبح الحوثي في مواجهة مع أمريكا. وهذه الأخيرة تقطر أعتى سفنها ومدمراتها وحاملات طائراتها وأساطيلها إلى البحور المحيطة باليمن ومنها ومن قواعدها المتناثرة حول المنطقة تقصف وتضرب متكئة على أفضل ما لديها من تقنيات.
تبدو حكاية القبض على أشخاص بتهمة رفع إحداثيات أمرًا بالغ الترويع والسخافة في آن في عالم اليوم، خاصة في المعارك التي تنخرط فيها الدول التي تمتلك تكنولوجيا متقدمة لا تضاهى وأصبحت الحرب حربًا مختلفة تمامًا عن تلك التي تقودها جماعات الكهوف.
بدأت الولايات المتحدة في استخدام الأقمار الصناعية عسكريا في الستينيات، وفي عام 1960 أطلقت أول قمر صناعي للاستطلاع لالتقاط صور عالية الدقة للاتحاد السوفيتي، واستخدمت هذه الصور لجمع المعلومات الاستخباراتية. وبعد أكثر من ستة عقود من التقدم التكنولوجي الهائل والاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار، لم تعد هناك حاجة للجوء إلى أفراد لرفع إحداثيات وتحديد مواقع.
يغطي استخدام الطائرات بدون طيار مجالًا واسعًا في المجال العسكري، ويتيح مراقبة دائمة على مدار الساعة. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم آليات التصوير المرتبطة بالأقمار الصناعية لتجاوز السحب ونقل معطيات حية وفورية، مما يقلل من الكلفة المخاطر وهامش الخطأ ويقلل من الحاجة إلى استخدام الأفراد إلى حد كبير.
لم تعد الحروب تلك التي يخوضها أفراد مقابل أفراد بالرماح والسيوف على صهيل الخيل . بل أصبحت تعتمد على تطوير تقنيات تصوير وجمع معلومات عالية الدقة، وتعتمد على شبكة اتصالات دقيقة ذات كفاءة عالية وتغطية واسعة حول العالم، خاصة من خلال الأقمار الصناعية.
تقدم هذه الأخيرة صورًا عالية الدقة ومعلومات حيوية، بالإضافة إلى صور بالأشعة تحت الحمراء تستطيع من خلالها كشف منصات الصواريخ واستشعار حراري لتحديد بطاريات الإطلاق بالضافة إلى مجسات اليكترونية وراداراية وصوتية وترصد لاتصالات تعتمد على البصمة الصوتية.
تصبح التهمة أكثر سخفًا، خاصة وأن من يطلقها يعتمد كليًا في عتاده ومعداته على ما يستورده من الآخرين. وفي ظل هذا الارتباط الكامل التكنولوجي في قطاع الاتصالات على أطراف يقف معها موقف العداء ، فإن الانكشاف أمر لا محالة منه. لذا، من المعيب اتهام الآخرين بالتجسس.
كشفت لنا عملية البيجرات في لبنان مدى هذا الانكشاف وإمكانية الاختراق من دون الجواسيس ميدانياً. لم نعد في الحرب العالمية الأولى بالتأكيد، لقد تغيرت الحرب كليًا وتغير الدور البشري بشكل كبير.
أهمية الجواسيس تكون في أماكن اتخاذ القرار، والاختراق الفعلي يحدث في الصفوف الأولى لكل جماعة.
*نقلاً عن حساب الكاتب على منصة " x " .

إعلان
تابعنا
ملفات