واي إن إن - وكالات
ساعات تفصل لبنان عن الجلسة رقم 13 لانتخاب رئيس للبلاد، وسط مؤشرات تدلّ جميعها على خروج الدخان الأبيض يوم غد الخميس من قبّة البرلمان؛ رغم الغموض الذي لا يزال يلفّ اسم المرشح الفائز، مع تسجيل حظوظٍ متقدّمة لمصلحة قائد الجيش العماد جوزاف عون قد تفرملها فقط المفاجآت السياسية في ربع الساعة الأخير، ولا سيما أن التوافق حوله لم ينضج بعد. ويلتقي الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان عدداً من النواب اللبنانيين في إطار جولته في بيروت ضمن المساعي الرئاسية، وذلك عشية الجلسة التشريعية لانتخاب الرئيس. وعلى الرغم من اقتراب موعد الجلسة التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري صباح الخميس، والتي ستُعقد تحت أنظار لودريان، بيد أنّ غالبية الكتل النيابية ولا سيما الكبرى منها لم تعلن عن مرشحها بعد، أو تحسم خيارها، باستثناء قلّة من المستقلين والقوى السياسية، أبرزها الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط (يضم ثمانية نواب)، الذي أعلن قبل فترة ترشيح قائد الجيش، وكذلك اليوم بإعلان تكتل الاعتدال الوطني (يضم ستة نواب) دعم عون للرئاسة. ومن شأن هذا الغموض في المواقف النيابية المتروك حسمها لعشية الجلسة أو صبيحتها أن يبقي جميع الاحتمالات قائمة، خصوصاً أنّ عون الحائز على دعم دولي ولاسيما أميركي كبير، لم يتمكن حتى اللحظة من حصد توافق داخلي قادر أن يؤمّن له الأصوات المطلوبة للفوز، أي 86 صوتاً. والاعتراض عليه يأتي من الكتل الكبرى، مسيحياً وشيعياً، بدءاً من التيار الوطني الحرّ برئاسة النائب جبران باسيل الذي يضع فيتو حاسماً بوجهه، مروراً بحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، الذي يشترط للتصويت لقائد الجيش أن ترشحه حركة أمل وحزب الله رسمياً. هذا ويواصل الثنائي رفض دعم عون حتى الساعة في مشهدية ثلاثية الأبعاد قد تقطع الطريق أمام قائد الجيش وتمهّد لمرشح تتقاطع عليه الغالبية، مثل وزير المال السابق جهاد أزعور، أو المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، الذي بدوره يحتاج إلى تعديل دستوري لانتخابه، أو أي مرشح آخر غير مستفزّ ويمكن إيصاله بـ65 صوتاً في دورة الانتخاب الثانية. خريطة بأسماء مرشحين مطروحين للرئاسة وبرزت في الأيام الماضية خريطة بأسماء مرشحين مطروحين للرئاسة، من دون أن يحسم من سيكون الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية منذ الاستقلال في عام 1943، ومن أبرزهم، قائد الجيش العماد جوزاف عون، المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، النائب إبراهيم كنعان، النائب نعمة أفرام، وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، وزير المالية الأسبق جهاد أزعور، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، العميد المتقاعد والسفير السابق جورج خوري، والمصرفي سمير عساف. وفي جولة على الكتل النيابية، فإنّ كتلة "القوات" أي الجمهورية القوية تحظى بالعدد الأكبر من النواب وهو 19 نائباً، ولم تحسم حتى اللحظة مرشحها، لكنها سبق أن دعمت أزعور، وعبّرت عن رفضها قائد الجيش، مع اشتراط أن "يبدّل فريق الممانعة في رأيه وبشكل علني وواضح" بإعلانه رسمياً ترشيح عون"، لإعادة النظر بموقفها، علماً أنّ القوات تمهلت في إعلان قرارها بحثاً عن توافق قد تحصل عليه لدعم رئيسها جعجع. وتضمّ كتلة حركة أمل "التنمية والتحرير" 15 نائباً، وهي لا تزال تدعم علناً رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وترفض دعم عون بذريعة معارضة تعديل الدستور، علماً أنّها لم تعارض ذلك إبان انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً للجمهورية عام 2008. وذلك في وقتٍ تعوّل اليوم مع حليفها حزب الله (يضم تكتله 15 نائباً) على تقاطع ما مع التيار الوطني الحر، لإيصال مرشح لا يظهر الثنائي بمظهر الخاسر، والخاضع، وقد يحظى بتوافق ما مثل اللواء البيسري، مع الإشارة إلى أن أوساط الثنائي لا تزال ترفض ترشيح أزعور حتى اللحظة، من دون أن تضع أيضاً فيتو على عون. هذا وأصبحت كتلة التيار أي "لبنان القوي" تضم 13 نائباً بعد استقالة عددٍ من كوادرها، وهي ترفض بشكل حاسم دعم ترشيح عون، وسبق أن دعمت ترشيح أزعور بتقاطعها مع القوى المعارضة، وهي أقرب إلى البيسري ووزير الداخلية الأسبق زياد بارود ومرشحين آخرين، فاتحة الباب أمام طرح أسماء للتلاقي وليس للانقسام، لاعبة في الوقت نفسه على المخاوف الأمنية للحث على تنافس أسماء لا تشكل تحدياً لأحد. أما نواب المعارضة، ومعهم القوات اللبنانية، فلم يحسموا موقفهم بعد، علماً أنهم أقرب إلى قائد الجيش، (باستثناء القوات)، لكن اجتماعاتهم مفتوحة للتوافق على شخصية قادرة على تأمين الفوز، كأزعور. وبالنسبة إلى نواب التغيير والمستقلين، فهم بدورهم لم يحسموا قرارهم بعد، فمنهم من يدعم عون، وآخرون يطرحون النائب نعمة أفرام، الذي أعلن قبل فترة ترشحه، ومن يفضل ترشيح أزعور. إشكاليات دستورية في حال انتخاب قائد الجيش بداية، من الناحية الدستورية، يقول الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري وسام اللحام لـ"العربي الجديد"، إنّ الجلسة يوم الخميس ستعقد بعد شغور رئاسي استمر منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، ومن شأنها أن تكون حاسمة، خصوصاً أن النواب لن يقاطعوها أو يغادروا لإفقاد النصاب كما كان يحصل، لكن النتيجة ستكون غير محسومة، باعتبار أن هناك إشكاليات دستورية تعتريها، ولا سيما في حال انتخاب قائد الجيش الحالي. ويوضح اللحام أنّ "نصاب انعقاد الجلسة هو الثلثان في كلّ الدورات؛ أي 86 نائباً من أصل 128، بينما الانتخاب بأول دورة يتم بـ 86 نائباً وبالدورة الثانية والدورات الأخرى 65 نائباً، وهو ما يتبعه رئيس البرلمان تحديداً ويصرّ عليه علماً أنه من النقاط الخلافية". وأشار إلى أنّ "انتخاب قائد الجيش مخالفة فاضحة وواضحة للدستور، ويجعله قابلاً للطعن أمام المجلس الدستوري، لكن ذلك يحتاج إلى ثلث أعضاء مجلس النواب أي 43 نائباً وذلك خلال 24 ساعة فقط من إعلان النتائج، وهذا صعب حصوله، ونتذكر أنّ هناك تجربة سابقة بذلك يوم انتخاب ميشال سليمان، عندما كان قائداً للجيش، رئيساً عام 2008، من دون أن يطعن أحد بانتخابه فأصبح أمراً واقعاً". ويتوقف اللحام عند إشكالية ثانية وهي أنّ الانتخاب يتم في ظل شغور رئاسي، ما يعني أنّ انتخاب قائد الجيش يحتّم عقد جلسة ثانية مباشرة بعد جلسة الانتخاب من أجل حلف اليمين، فهل سيتمكّن الرئيس المنتخب في الدورة الثانية من حلف اليمين؟ وفي حال ذلك ما هو مصيره إذا تم الطعن بنتيجة الانتخاب، فيوم ميشال سليمان كان هناك توافق مسبق، ومعروف وصوله، وكان حاضراً لتسلّم الموقع، لكن وضع عون يختلف في ظلّ الضبابية الحاصلة. ويذكر اللحام أنّ عون سبق أن حصل على صوت واحد في جلسة 14 يونيو/حزيران 2023 ولم يعترض أحد على ذلك ولم يعلن بري إلغاء ورقة الاقتراع، ما يطرح كذلك علامات استفهام، مشيراً إلى أن بري حاول الهروب من هذا المأزق في تصريح نُقل عنه بأنه في حال التوافق على عون وانتخابه بـ86 صوتاً، عندها لن تكون هناك حاجة إلى تعديل دستوري وذلك انطلاقاً من سابقة ميشال سليمان، وهذا يعني تبني بدعة التعديل الضمني للدستور، وهو منطق خطير ومتناقض. كذلك، يلفت اللحام إلى أنّ انتخاب اللواء البيسري يحتاج بدوره إلى تعديل دستوري لأن المادة 49 من الدستور تنصّ على أنه يقتضي لمن يترشح لموقع الرئاسة أن يكون حائزاً أهلية الترشح التي يجب أن تتأمن للنائب. ساعات أخيرة فاصلة سياسياً، يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني جورج شاهين لـ"العربي الجديد"، إنّ "الساعات الأخيرة ستكون فاصلة، والبتّ ينتظر ربع الساعة الأخير". وأشار إلى أنّ "ما يميّز هذه الجلسة هو أنّ بعض المرشحين يحتاجون إلى أرقام مختلفة عن الآخرين، فإذا بقي قائد الجيش متقدماً، فهو يحتاج إلى ثلثي أصوات النواب أي 86 صوتاً، وليس 65، وذلك من أجل قطع الطريق على أي محاولة للطعن بنتائج الانتخابات إن لم يجر تعديل الدستور قبل انتخابه، باعتبار أنه ستكون هناك استحالة لتأمين نصاب الطعن أمام المجلس الدستوري بهذه الحالة، مع الإشارة إلى أن بذلك مخالفة دستورية شبيهة بتلك التي ارتكبت إبان انتخاب ميشال سليمان رئيساً عام 2008". ويعتبر شاهين أن "عون يتقدّم خريطة المرشحين إذا افترضنا وجود سبعة أو ثمانية مرشحين، ومتى سقط خياره سيكون من الصعب القول من هو البديل، فقبل أيام كان هناك خيار البيسري ويليه أزعور، لكني لا أتصور بعد عون أن هناك من هو قادر على تسمية المرشح الثاني؛ فعون حائز على دعم دولي ولاسيما أميركي وسعودي وهو دعم مرتبط بمستقبل لبنان، فإذا صحت التوقعات بدعم أميركا له فهذا يعني الذراع العسكرية الدولية المؤيدة له، والمملكة العربية السعودية تعني السند المادي، من هنا صعب اختيار شخص ثانٍ إذا سقط خيار قائد الجيش". ويرى شاهين أنّ "الثنائي الشيعي إذا أصرّ على موقفه بعدم الاقتراع لعون، فهو قادرٌ على تعطيل النصاب لكنه لن يكون قادراً على فرض مرشح خصوصاً في هذه المرحلة مع طريقة انتهاء الحرب، والأحداث في سورية وتحوّلات المنطقة التي أبعدت بدورها النواب السُّنة عن الثنائي الشيعي من دون أن ننسى الخلاف مع التيار الوطني الحر، الذي انشق عنه أيضاً خمسة نواب باتوا يقودون حركة مستقلة ولن يؤيّدوا الثنائي أو يجاروا الرئيس بري فلهم مرشحهم الأول النائب إبراهيم كنعان، وإذا استحال ذلك فهم أقرب إلى عون". الكتل البرلمانية تنتظر كلمة السر الخارجية من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني جورج علم لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك اهتماماً دولياً إقليمياً عربياً بالاستحقاق وحراك أعضاء اللجنة الخماسية المؤلفة من قطر والسعودية وأميركا ومصر وفرنسا منتج جداً وأكثر من الحراك بين الكتل النيابية، من دون أن ننسى أننا في الداخل نبحث عن رئيس توافقي منذ أن بدأت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس أي في سبتمبر/أيلول 2022". وأضاف: "وحتى اليوم لم تتمكن الكتل من التفاهم على رئيس، وفشلت في الجلوس إلى طاولة حوار للبننة الاستحقاق، وبالتالي، فإنّ الكتل تنتظر برأيي كلمة السرّ خصوصاً من اللجنة الخماسية". ويلفت علم إلى أن "هناك حراكاً جدياً، خصوصاً من قبل أميركا والسعودية وكل منهما لديه وفد جال على الكتل النيابية وما يسمّى برؤساء الطوائف، وإذا كان هناك فعلاً رغبة لدى أعضاء اللجنة الخماسية بانتخاب رئيس فأنا أرى رئيساً في التاسع من الجاري لكن الاسم مرتبط بكلمة السر، وإلا فسيؤجَّل الانتخاب إلى ما بعد 20 الجاري، أي بعد دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض". ويرى علم أنّ "البارز حتى الآن هو قائد الجيش، خصوصاً أنه أثبت فعلاً صونه المؤسسة العسكرية التي بقيت وحيدة صامدة في لبنان رغم كل الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية، وهو الأوفر حظاً، لكن يجب أن يكون في الوقت نفسه هناك إجماع حوله، وحتى الآن هذا غير متوفر". ولفت إلى أنّ "البحث عن رئيس توافقي باللحظة الأخيرة يحتاج إلى معجزة، لا أراها، من هنا نحن أمام ساعات مصيرية، قد تحدث مفاجأة ويُنتخب رئيس كما يصرّ ويؤكد بري في تفاؤله، أو إن لم تكن هناك كلمة سر من المرجعيات الوازنة فالجلسة ستؤجل إلى ما بعد 20 الجاري". تجدر الإشارة إلى أنه في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، والتي حملت رقم 12، وانعقدت في 14 يونيو/حزيران 2023، جاءت النتائج كالآتي، جهاد أزعور (مرشح المعارضة والتيار الوطني الحر)، 58 صوتاً، سليمان فرنجية (مرشح حركة أمل وحزب الله)، 51 صوتاً، وزير الداخلية السابق زياد بارود ستة أصوات، "لبنان الجديد" ثمانية أصوات، جوزاف عون صوت واحد، ورقة بيضاء واحدة وورقتان ملغاتان، وظرف فارغ.
مصطفى ناجي
محمد ابو رمان
علي انوزلا
المهدي مبروك
مروان قبلان