ماذا تعرف عن وحدة الظل... مجموعة تأمين الأسرى وإخفائهم في غزة

26-01-2025 09:00:22    مشاهدات56

واي إن إن - العربي الجديد

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي أعقاب أسر المقاومة الفلسطينية أكثر من 250 أسيراً وأسيرة إسرائيلية، بينهم جنود في جيش الاحتلال وضباط في جهاز الأمن العام "شاباك"، بالإضافة إلى حملَة جنسيات أجنبية، عاد الحديث من جديد عن "وحدة الظل" التابعة لـ"كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة حماس، وهي الوحدة المسؤولة عن عمليات إخفاء الأسرى وتأمين وجودهم، فيما تمتلك الفصائل الفلسطينية الأخرى مجموعات متخصصة لم يُكشف عن اسمها بعد. وظهر عدد من المحتجزين الإسرائيليين في فترة الحرب التي شنّها الاحتلال على القطاع ضمن مقاطع فيديو كانوا يُصورون فيها من قبل هذه الوحدة وهم يوجهون رسائل لعائلاتهم، للضغط على الحكومة الإسرائيلية للوصول إلى صفقة تبادل مع "حماس"، حيث كانت تصور هذه المقاطع بواسطة وحدة الظل هذه التي تتولى عملية تأمين الأسرى الإسرائيليين.
جاء القرار بإطلاق "وحدة الظل" من قبل محمد الضيف الذي تزعم إسرائيل اغتياله قبل أشهر
ويعود الظهور الأول للوحدة إلى عام 2006، حينما أسرت "حماس" بالاشتراك مع "جيش الإسلام" ولجان المقاومة الشعبية الجندي جلعاد شاليط، حيث شكّلت هذه الوحدة من مجموعة بسيطة تولت عملية تأمين شاليط.
قرار إطلاق وحدة الظل
وجاء القرار بإطلاق "وحدة الظل" من قبل قائد أركان القسام محمد الضيف الذي تزعم إسرائيل اغتياله قبل أشهر، فيما تولى عملية التأسيس القيادي السابق في "القسام" الذي اغتاله الاحتلال في حرب عام 2021 باسم عيسى. ونجحت الوحدة في تأمين شاليط حتى لحظة تسليمه في أكتوبر 2011 بناء على صفقة تبادل جرت بوساطة مصرية في تلك الفترة، أسفرت عن صفقة أطلق الاحتلال بموجبها سراح 1027 أسيراً وأسيرة، بالإضافة إلى 20 أسيرة أطلق سراحهم مقابل شريط فيديو يثبت أن الجندي الإسرائيلي على قيد الحياة في عام 2009.
وفي أعقاب ذلك، وتحديداً في صيف 2014، نجحت المقاومة الفلسطينية، وتحديداً "كتائب القسام"، في أسر أربعة جنود إسرائيليين، هم شاؤول آرون وهدار غولدين وهشام السيّد وأبراهام منغستو، وبقوا جميعاً في الأسر ضمن نطاق وحدة الظلّ التابعة للحركة، من دون أن يتمكن الاحتلال من الوصول إليهم حتى لحظة دخول وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني الحالي.
وزعم الاحتلال الإسرائيلي في اليوم الأخير للحرب نجاحه في الوصول إلى جثة شاؤول آرون والتمكن من انتشاله ودفنه في الأراضي المحتلة عام 1948، بعد قرابة أكثر من عشر سنوات من الأسر داخل القطاع، فيما الجنود الثلاثة الباقون ما زالوا أسرى لدى "القسّام" حيث من المقرر أن تشهد مراحل الصفقة تسليمهم.
وخلال سنوات أسرهم، كانت "وحدة الظل" تُصدر مجموعة من المقاطع الصوتية والفيديوهات وبعض المقاطع التي تحمل دلالات بشأن مصيرهم من أجل تحريك ملفهم والوصول إلى صفقة، إلا أن هذا الأمر لم يتم بسبب التجاهل الإسرائيلي لملف الأسرى الإسرائيليين. ومع أسر المقاومة مزيداً من الإسرائيليين، ومن بينهم جنود وضباط، في حرب 2023، برزت وحدة الظل بشكل مكثف وأعمق مما كانت عليه في السابق، نظراً إلى العدد الكبير من المحتجزين والمحتجزات الإسرائيليين الموجودين لدى المقاومة منذ اللحظة الأولى لتسليمهم مروراً بالصفقة الإنسانية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والتي شهدت إطلاق سراح 116 محتجزاً في إطار صفقة لم تدم أكثر من أسبوع فقط، وما صاحبها من محاولات إسرائيلية للوصول إلى الأسرى عبر الضغط العسكري.
ولم ينجح الاحتلال طوال فترة الحرب في الوصول إلى عدد كبير من أسراه الأحياء، فيما تمكن من انتشال عشرات الجثث على مدار عملياته العسكرية في مختلف مناطق القطاع خصوصاً في رفح وشمالي القطاع. وتعتبر العملية العسكرية في حي الشابورة في رفح التي وقعت في فبراير/شباط 2024 هي الأولى التي تمكن الاحتلال فيها من تحرير أسيرين إسرائيليين، وهما لويس هر (70 عاماً) وفرناندو مرمان (60 عاماً)، فيما استشهد في العملية العسكرية عشرات الفلسطينيين بفعل القصف الجوي والعمليات العسكرية. أعقبت هذه العملية عملية أخرى وقعت في يونيو/حزيران 2024 في منطقة النصيرات وسط قطاع غزة، تمكن فيها الاحتلال من استعادة أربعة محتجزين إسرائيليين، وهم نوعا أرغماني (25) وألموع مئير (21) وأندريه كوزلوف (27) وشلومي زيف (40)، فيما استشهد مئات الفلسطينيين بفعل القصف العنيف الذي طاول المنطقة. في أعقاب ذلك، أعلنت "القسّام" تغيير الاستراتيجية المتّبعة في عملية تأمين الأسرى الإسرائيليين وإصدار تعليمات مشدّدة للمجموعات الآسرة المنضوية في إطار "وحدة الظل" بتشديد عمليات الحراسة وعدم خروج الأسرى أحياء.

نجاح عمل "وحدة الظل"
ويقول الكاتب والمحلّل السياسي إياد القرا إن الجهد الذي بُذل من قبل عناصر التأمين المحسوبين على المقاومة الفلسطينية للأسرى الإسرائيليين ليس بالهيّن، خصوصاً أن الأعداد كانت كبيرة في البداية. ويوضح القرا في حديث لـ"العربي الجديد" أن الوحدة نجحت في إخفاء أربعة محتجزين إسرائيليين مدة عشر سنوات، وهو نجاح كبير، حتى مع وصول الاحتلال إلى جثة شاؤول أرون، إلا أنه جاء في ظلّ جهد أمني بُذل على مدار عام ونصف تقريباً من المواجهة.

ويشير القرا إلى أن النجاح في عمل "وحدة الظل" كان كبيراً من خلال عدم الوصول إلى الأسرى أحياء باستثناء حالتين في النصيرات ورفح، فيما كانت بقية المحاولات فاشلة باعتبار أن الاحتلال وصل إلى أسراه جثثاً. ويلفت إلى أن النجاح الذي حقّقته الوحدة خلال فترة عملها دفع الاحتلال للذهاب نحو التفاوض وإبرام صفقات تبادل كانت الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فيما تجرى العملية الثانية حالياً ومن المتوقع أن تستمر عدة أشهر.

ووفقاً للقرا، فإن الاحتلال كان من الممكن أن يذهب نحو المزيد من القتل والتدمير فيما لو لم يتمكن من الوصول إلى الأسرى، من خلال تأمين أكبر عددٍ ممكن من الأسرى وإخفاء أي معلومات متعلقة بمصيرهم. ويضيف أن الاحتلال لا يعرف مصير الأسرى الـ33 الذين ستشملهم المرحلة الأولى من عملية التبادل ووقف إطلاق النار الذي تم الوصول إليه بوساطة قطرية ومصرية وأميركية. ويعتبر أن هناك تجربة طويلة وعميقة لدى وحدة الظلّ بعد 18 عاماً على تأسيسها في أعقاب أسر الجندي شاليط عام 2006، حيث يجرى الاهتمام بأدق التفاصيل سواء في عملية التأمين أو حتى في عملية التسليم كما حصل سابقاً.

من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون إن "وحدة الظل" وتأسيسها جاءا استجابةً استراتيجيةً لمعطيات الصراع مع الاحتلال، ولتعزيز قدرة المقاومة على إدارة ملف الأسرى، الذي يمثل أحد أهم الملفات الوطنية والإنسانية. ويضيف المدهون في حديث لـ"العربي الجديد" أن الوحدة أثبتت نجاحها منذ اللحظة الأولى، حيث استطاعت الاحتفاظ بالأسرى تحت أصعب الظروف الأمنية والعسكرية، وكان أبرزهم جلعاد شاليط، بالإضافة إلى الاحتفاظ بالأسيرين هدار غولدين وآرون شاؤول وغيرهما ممن وقعوا في قبضة المقاومة قبل أكتوبر 2023.

ويشير المدهون إلى أن "كتائب القسام" أدركت أهمية تطوير قدرات "وحدة الظل" بما يتناسب مع حجم التحديات، ومع اقتراب عملية طوفان الأقصى، توسعت الوحدة بشكل نوعي لتشمل إنشاء سجون سرّية تحت الأرض، مجهزة بأعلى درجات الأمان والتخفي، قادرة على استيعاب عدد متزايد من الأسرى. كما بُنيت شبكة أنفاق خاصة، مصممة بعناية فائقة لضمان عدم كشف أماكن الاحتجاز مهما بلغت عمليات الاحتلال الاستخبارية أو العسكرية.

ويبيّن الكاتب والمحلّل السياسي أن عمل وحدة الظل مرتبط بالأساس بالسرّية المطلقة، ولا يُعرف عنها إلا القليل حتى داخل أوساط "كتائب القسام"، إذ تقتصر معرفتها على قادة محددين ذوي كفاءة عالية، أبرزهم محمد الضيف ومحمد السنوار وعز الدين الحداد، وترتبط الوحدة مباشرة بالقرار السياسي والعسكري لـ"قيادة القسام"، ما يجعلها نموذجاً للانضباط والتنظيم الذي يعكس رؤية المقاومة. وبحسب المدهون، فإن وجود "وحدة الظل" هو تعبير عن التزام المقاومة تجاه الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال، فمن خلال الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليين، تفرض المقاومة معادلة الردع والضغط على الاحتلال.

إعلان
تابعنا
ملفات