استثناء مصر من وقف المساعدات الأميركية… تحالف يتجاوز السياسة

26-01-2025 09:21:57    مشاهدات51

واي إن إن - وكالات

في خطوة أثارت الجدل عالمياً، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس الجمعة، قراراً تنفيذياً بوقف جميع المساعدات الأميركية الخارجية، والتي بلغت قيمتها الإجمالية في العام الماضي 68 مليار دولار، إلى حين مراجعتها وضمان انسجامها مع المصالح الأميركية. وشملت هذه المراجعة جميع أشكال المساعدات، بما في ذلك الأدوية المقدمة لمكافحة الملاريا والإيدز في أفريقيا، باستثناء مساعدات الغذاء الطارئة. ومع ذلك، كانت مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي استثناءً واضحاً من هذا القرار، حيث أُبقيت المساعدات العسكرية المقررة لهما من دون أي تقليص.
استثناء مصر من وقف المساعدات الأميركية
ويلقي هذا الاستثناء الضوء على الأهمية الاستراتيجية التي توليها الإدارة الأميركية للعلاقات مع القاهرة وتل أبيب، لا سيما في ظل التعقيدات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وتُعد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة نموذجاً فريداً من التحالف الاستراتيجي القائم على المصالح المشتركة والمتشابكة في منطقة الشرق الأوسط. ويتجلى هذا التحالف بوضوح في القرار التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن مراجعة جميع المساعدات الخارجية الأميركية والتأكد من توافقها مع سياساته، مع استثناء مصر وإسرائيل من أي تخفيضات في المساعدات العسكرية.
ميريت مبروك: اليمين الإسرائيلي يسعى إلى تنفيذ خطة تستهدف ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وسكّان الضفة الغربية إلى الأردن
وبحسب مراقبين، يُظهر قرار الإبقاء على المساعدات الأميركية العسكرية لمصر اعترافاً ضمنياً بدورها المحوري في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ودورها في تحقيق الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب وضمان أمن الممرات المائية، وعلى رأسها قناة السويس. ويتماشى هذا الدور مع الرؤية الأميركية لتعزيز الأمن الإقليمي، ما يجعل القاهرة شريكاً لا غنى عنه للولايات المتحدة.
كما أن العلاقات بين البلدين ليست مقتصرة فقط على التعاون العسكري، بل تشمل أيضاً شراكات اقتصادية وتجارية وثقافية طويلة الأمد. ورغم التغيرات في الإدارات الأميركية، إلا أن العلاقة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن ظلّت ثابتة نسبياً، ما يعكس أهمية مصر في تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة.
ويعكس هذا القرار الدعم الأميركي المستمر لمصر، لكنه يطرح تساؤلات حول الكيفية التي ستؤثر بها السياسات الأميركية المستقبلية على طبيعة هذه العلاقة. فمع التغيرات في الإدارات والسياسات، قد تواجه مصر تحديات في الحفاظ على هذا المستوى من الدعم، خصوصاً مع تصاعد الأصوات داخل الولايات المتحدة التي تطالب بمراجعة أوسع لسياسات المساعدات الأميركية الخارجية.
ورأى خبراء أنه في الوقت نفسه، تحتاج القاهرة إلى تعزيز جهودها الدبلوماسية لضمان استمرار الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، مع التركيز على إبراز دورها الإقليمي الحيوي ومساهمتها في تحقيق الاستقرار والأمن.
وقالت مديرة برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن ميريت مبروك إن المساعدات الأميركية العسكرية المقدمة لمصر تمثل انعكاساً لعمق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى دعم مصر لدورها الحيوي في المنطقة، لا سيما في محاولاتها لإيجاد حلول للصراع في غزة ولدورها الإقليمي بشكل عام. كما أشارت إلى أن هذا الدعم يُعبّر عن قناعة أميركية بأهمية الدور المصري في تحقيق الاستقرار الإقليمي. وأوضحت مبروك في حديث لـ"العربي الجديد" أن إدارة الرئيس دونالد ترامب كانت وستظل إدارة موالية بشكل كبير لإسرائيل، موضحة أن "رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومعظم اليمين الإسرائيلي كانوا ينتظرون عودة ترامب بفارغ الصبر، فهو الرئيس الذي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، كما أنه معروف بمرونته تجاه السياسات الإسرائيلية". وأشارت إلى أن "علاقة ترامب الوثيقة مع صهره ومستشاره السابق جاريد كوشنر قد تُستخدم من قبل إسرائيل لممارسة ضغوط إضافية على الدول المجاورة مثل مصر والأردن"، موضحة أن "اليمين الإسرائيلي يسعى إلى تنفيذ خطة تستهدف ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وسكّان الضفة الغربية إلى الأردن، في محاولة لفرض رؤيته الخاصة لحل القضية الفلسطينية".
معالم لعلاقة استراتيجية
وتُعد المساعدات الأميركية لمصر من أبرز معالم العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979. ومنذ ذلك الحين، أصبحت مصر ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية بعد إسرائيل، في إطار التزام الولايات المتحدة بتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ودعم الشركاء الإقليميين الذين يلعبون دوراً محورياً في تحقيق هذه الأهداف.
وتشمل المساعدات الأميركية لمصر نوعين رئيسيين: المساعدات العسكرية والمساعدات الاقتصادية. ولعل المساعدات العسكرية هي الأكثر أهمية، حيث تتلقى مصر سنوياً حوالي 1.3 مليار دولار لتحديث قدراتها العسكرية. وتستخدم هذه المساعدات في شراء معدات وأسلحة أميركية متطورة، وكذلك في برامج تدريب القوات المسلحة المصرية. ويهدف هذا الدعم إلى تمكين مصر من مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وضمان أمن الممرات المائية الحيوية مثل قناة السويس.
إلى جانب المساعدات العسكرية، قدّمت الولايات المتحدة على مدار العقود مساعدات اقتصادية لدعم جهود التنمية في مصر. وشملت هذه المساعدات برامج لتحسين البنية التحتية، وتطوير قطاعات الصحة والتعليم، وتشجيع ريادة الأعمال. ورغم أن حجم هذه المساعدات تراجع في السنوات الأخيرة مقارنة بالعقود الأولى من العلاقة، إلا أنها تبقى دليلاً على استمرار التعاون الوثيق بين البلدين في المجالات غير العسكرية. والهدف الأساسي من هذه المساعدات دعم استقرار مصر باعتبارها دولة محورية في المنطقة، وضمان التزامها باتفاقية السلام مع إسرائيل، وتعزيز التعاون في قضايا أمنية مهمة مثل مكافحة الإرهاب. كما تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى تأمين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حيث تلعب مصر دوراً فاعلاً في تحقيق التوازن الإقليمي وحلّ النزاعات.
ورغم أهمية هذه المساعدات، إلا أنها تعرضت لمراجعات دورية خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد التغيرات السياسية التي شهدتها مصر عقب ثورة 2011. ومع ذلك، بقي الدعم العسكري ثابتاً في معظمه، ما يعكس أهمية مصر بالنسبة لواشنطن شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه. كما أثارت بعض الأوساط داخل الولايات المتحدة مطالب بربط المساعدات بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وهو ما أدى أحياناً إلى توترات بين البلدين.
وتظل المساعدات الأميركية لمصر دليلاً على عمق العلاقة بينهما، خصوصاً في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة. استمرار هذا الدعم، خصوصاً في المجال العسكري، يؤكد أن الولايات المتحدة ترى في مصر شريكاً أساسياً لتحقيق استقرار الشرق الأوسط وحماية المصالح المشتركة.
وقال محمد عصمت سيف الدولة، مؤسس حركة "مصريون ضد الصهيونية" والمتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي واتفاقيات كامب ديفيد، لـ"العربي الجديد"، إن الإجابة عن سؤال "هل يمكن ربط القرار بالدور المصري في غزة؟" تتضمنها نصوص القرار الأميركي نفسه، الذي ينص على ضرورة إجراء دراسات لتقييم مدى كفاءة أي مساعدات خارجية في دعم السياسة الخارجية الأميركية. وأوضح سيف الدولة أن المعونات العسكرية لإسرائيل أثبتت لعقود كفاءتها القصوى في فرض الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على العالم العربي، بينما أثبتت المعونات العسكرية لمصر فعاليتها في تحقيق هدف استراتيجي آخر يتمثل في انتزاع مصر من محيطها العربي وإبقائها خارج الصراع ضد المشروع الأميركي - الصهيوني في المنطقة. وأضاف أن مصر، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في السبعينيات، تحولت إلى تابع وحليف وثيق للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن تحقيق هذه الأهداف لا يحتاج إلى دراسات إضافية لإثبات نجاح السياسة الأميركية في استخدام المعونات العسكرية أداة استراتيجية.

إعلان
تابعنا
ملفات