ماذا بإمكان مصر فعله في مواجهة خطة ترامب "تطهير غزة"؟

28-01-2025 08:25:53    مشاهدات74

واي إن إن - العربي الجديد

قوبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته تهجير سكان القطاع أو جزء كبير منهم إلى دول مجاورة، تحديداً مصر والأردن، برفض مصري قاطع على المستويين الرسمي والشعبي. لكن كيف يمكن لمصر، عملياً، أن تعدل موازين القوى في مواجهة خطة ترامب ومواجهة هذه الضغوط عليها في هذا الإطار؟ منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، عام 1979، أكدت مصر التزامها بالقضية الفلسطينية، وظلت تدعم حل الدولتين باعتباره الإطار الوحيد لتحقيق السلام العادل. وشددت القاهرة، أخيراً عبر تصريحات رسمية، على رفضها التام لفكرة نقل الفلسطينيين إلى سيناء، ووصفتها بأنها انتهاك للسيادة المصرية وخيانة للقضية الفلسطينية. وبحسب سياسيين وخبراء تحدثوا " فإنه يجب ألا يقتصر الدور السياسي المصري على الرفض العلني، بل يمتد إلى قيادة الجهود الإقليمية والدولية لتوحيد الصف العربي ضد أي مخطط يهدد الحقوق الفلسطينية. واعتبروا أنه من خلال التنسيق مع دول مثل الأردن والسعودية، يجب أن تعمل مصر على تأكيد أهمية حل القضية الفلسطينية من جذورها، بدلاً من تقديم حلول مؤقتة تُعمِّق الأزمة.
ورأى هؤلاء أنه يجب أن تؤدي الدبلوماسية المصرية دوراً محورياً في مواجهة خطة ترامب وتعديل موازين القوى، من خلال استثمار علاقاتها الاستراتيجية مع قوى كبرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، إذ يجب أن تحرص مصر على إيصال رسالة واضحة بأن مثل هذه المخططات ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. كما يجب أن تستفيد القاهرة من عضويتها في الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية للدفاع عن القضية الفلسطينية. لكن وفق الخبراء أيضاً فإن استخدام ورقة السياسة والدبلوماسية، يتطلب أولاً وأخيراً الإرادة لفعل ذلك، والإرادة تتطلب أولاً القدرة والتي تتوفر عن طريق امتلاك القرار السياسي، وذلك هو التحدي الذي تواجهه الإدارة المصرية في ظل عدم قدرتها أصلاً على توفير الحاجات والمتطلبات الأساسية للشعب المصري من مواد غذائية ومواد بترولية، مع تزايد فاتورة الاستيراد، في ظل النقص الحاد للعملة الأجنبية والارتفاع الهائل في الديون الخارجية.

القوة الشعبية
على المستوى الشعبي، رأى كثيرون أنه يجب استغلال دعم قطاعات واسعة من الشعب المصري للقضية الفلسطينية، وترسيخ الوعي الشعبي بأبعاد القضية وبدور مصر التاريخي في الدفاع عن فلسطين، لأن ذلك يعد عاملاً مهماً في تعزيز الموقف الرسمي. فمع تزايد النشاطات الداعمة لفلسطين، سواء من خلال حملات التضامن أو التظاهرات، يصبح من الصعب على أي جهة داخلية أو خارجية التلاعب بوعي الشارع المصري. لكن هذا الطرح وفق البعض، يشكل تحدياً من نوع آخر للسلطة في مصر، إذ إن السماح بأي تحرك شعبي في إطار مواجهة خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين، قد يشكل خطراً على النظام ذاته.
يبدو أن الإدارة المصرية اكتفت بالبيان الذي أصدرته وزارة الخارجية للتأكيد على رفض مصر مسألة تهجير الفلسطينيين، فبينما تصاعدت الانتقادات والمواقف الرافضة لهذا الطرح من أطراف عدة، بدا الموقف المصري الرسمي مكتفياً بالتحرك خلف الكواليس. وتم الكشف أن توجيهات صدرت من جهات أمنية إلى أحزاب ونقابات وشخصيات عامة ووسائل إعلام (رسمية) بإعلان رفض تصريحات ترامب بشأن نقل الفلسطينيين، لكن من دون فعاليات على الأرض. ووفقاً لمعلومات خاصة "، فإن التوجه الرسمي المصري في مواجهة خطة ترامب وتصريحاته، يعكس رغبة في تجنب التصعيد أو الصدام مع الإدارة الأميركية الحالية. وبدلاً من إعلان رفض مباشر، قررت القاهرة انتهاج ما يُعرف بـ"الصبر الاستراتيجي"، وهو أسلوب يعتمد على الانتظار ومحاولة إدارة الأزمة بحسابات دقيقة خلف الأبواب المغلقة، خصوصاً مع إدراك النظام المصري أن أي مواجهة علنية مع ترامب قد تنعكس سلباً على العلاقات المصرية الأميركية المتشابكة سياسياً واقتصادياً.
ويبدو أن مصر تدرك تماماً حساسية الموقف، خصوصاً أن علاقتها بالولايات المتحدة تحمل أبعاداً استراتيجية لا تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل تشمل أيضاً الدعم المالي والعسكري. وتخشى القاهرة من أن يؤدي إعلان رفض صريح لمقترح ترامب إلى تعقيد علاقاتها مع واشنطن، التي تُعتبر لاعباً رئيسياً في ضمان استمرار المساعدات الدولية لمصر، سواء من الولايات المتحدة نفسها أو عبر حلفائها في الخليج. علاوة على ذلك، فإن السلطة المصرية تواجه تحديات داخلية معقدة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي. وأي انخراط علني في صراع سياسي مع الولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية قد يفتح الباب أمام ضغوط داخلية وخارجية لا ترغب القاهرة في مواجهتها حالياً. والصبر الاستراتيجي، بما هو منهج دبلوماسي في الحالة المصرية المطروحة هنا في مواجهة خطة ترامب الحالية، يراهن على الوقت لتجنب المواجهة المباشرة مع طرف أقوى أو أكثر نفوذاً. فالقيادة المصرية تراهن على عدة عوامل، وهي الرفض الفلسطيني واسع النطاق، إذ تدرك القاهرة أن الفلسطينيين أنفسهم، سواء في غزة أو السلطة الفلسطينية، لن يقبلوا بمثل هذه المخططات، إلى جانب الضغوط العربية والإقليمية، إذ إن هناك توقعاً بأن دولاً أخرى مثل الأردن ستقف موقفاً مشابهاً، ما يجعل تمرير المخطط أمراً صعباً. بالإضافة إلى تغير الظروف الدولية، إذ تراهن مصر على احتمالية تغير الأولويات الأميركية أو حتى توجه الإدارة الحالية مع مرور الوقت.

تحدي مواجهة خطة ترامبج
اعتبر عمرو هاشم ربيع، المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريح أن "ما يحدث الآن يمثل تحدياً كبيراً للغاية أمام مصر، خصوصاً أنها تمكنت خلال الأشهر الـ16 الماضية من التصدي لمحاولات تهجير الفلسطينيين من غزة". لكن الضغوط الآن تزداد، وفق ربيع، موضحاً أن كثيرين يعتقدون أن "ترامب عندما يقرر شيئاً فإنه يسعى إلى تنفيذه، حتى لو كان غير منطقي". وشدّد على أن "الدور المصري، وخصوصاً الرئيس عبد الفتاح السيسي، يواجه اختباراً كبيراً في ما يتعلق بشرعيته وشعبيته من خلال صموده أمام الضغوط الأميركية"، وباعتقاد ربيع فإن "الشعب المصري، بمختلف أطيافه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، قادر على الالتفاف حول قيادته من أجل مواجهة خطة ترامب وهذا التحدي الأخرق".
من جانبه قال السفير رخا أحمد حسن، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، إنّ "دعوة ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن ليست جديدة، إذ طُرح هذا المقترح سابقاً في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، كما أُعيد طرحه عقب اشتداد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة". وأوضح أن "هذا المقترح قوبل برفض قاطع من مصر والأردن، وكذلك من الفلسطينيين في غزة والسلطة الفلسطينية، لما يحمله من تهديد بتصفية القضية الفلسطينية". ولا يُتوقع، وفق حسن، أن تقبل مصر بأي ضغوط أو تدخلات تمس شؤونها الداخلية "كما أنها لن تكون طرفاً في أي مخطط يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية". بدوره اعتبر الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية،عمار فايد، في تصريحات أن "مصر الرسمية تبدو للأسف، في مواجهة تحديات صعبة جداً، في حين جرى تغييب وحصار مصر الشعبية على مدى السنوات الماضية". وأضاف بالتالي أن "استدعاء مصر الشعبية اليوم لن يكون خطوة آمنة للنظام، وبالتالي لن يلجأ إليها، ما يعني أن النظام نفسه يساهم في إضعاف موقف مصر الخارجي".

إعلان
تابعنا
ملفات