قراءة نقدية في قصيدة (عيناك)

04-07-2020 07:09:38    مشاهدات827
واي إن إن - فيصل نهار

قراءة خاصة لموقع ynn .. دراسة نقدية

عينانِ يا فلقَ الدُّجي عينَاها
أُسطورةٌ سُبحان َ من سوَّاها

عيناكِ أفخمُ جُملةٍ مقروءةٍ
بثتْ أثيرَ البوحِ من فحواها

إيقاعُها أيقونةٌ ضُبطت على
ألحانِ فيروزَ التي أهواها

في سُبحةِ النُّور البهي عُروجها
ليلاً وذابَ القلب ُ في مسراها

من دهشةٍ ممزوجةٍ بسكينةٍ
كان الجلالُ بضوئه ِ يغشاها

في رُدهةِ الأفلاكِ صوتُ حديثها
نغمٌ من الأفراحِ في نجواها

نزلت على قلبي يَفيضُ خُشُوعها
ويرافق ُ التأويلُ وقع خُطاها

سُبحانَ وارتجفَ الفؤادُ مُسبحاً
من رهبةِ المعنى وصاحَ فتاها

عفويةُ الألفاظِ تنطقُ حكمةً
ولادةُ الأسلوبِ في معناها

لمَّاحةٌ للصمتِ تُحسِنُ فهمهُ
وفقيهةُ الأسرارِ ما أحلاها

قيثارةُ الإِحسَاسِ فوقَ سُطورها
نجفٌ يُضئُ عوالماً أخشاها

إنيِّ اقْترَفت ُمن المجازِ قصيدةً
عزفت على وترِ ِالمساءِ صداها

سيؤُرشفُ التاريخُ قِصَةَ حُبنا
ومشَاعراً من وحيِنا عشنَاها

* الشاعر / أكرم عطيف
.ــــــــــــــــــــــــ

من خلال المطلع الذي يفي سيكلوجية الفكرة حقها ويطلع القارئ على ماهيتها التي تناولتها القصيدة.. فقد افتتح القصيدة على طريقته الخاصة التي عودنا عليها شاعرنا المطبوع..

يفتتح الشاعر القصيدة بمطلع وصفي رومانتيكي لنصه الباذخ بهذا الزخم المتبل بنفس عميق وبنفس رقيقة وروح شفافة وبإيقاعات عالية التردد لا ينسجه إلا شاعر متمرس يمتلك ادواته الفنية ويستخدمها بأسلوب أكثر من رائع عينان يافلق الدجى عيناها
أسطورة سبحان من سواها
وكأنه يتحدث عن أسطورة من الاساطير التي تتناقلتها الأجيال عن جمال الجنيات التي ترد في القصص الاجتماعي الرائج في العصر الذهبي للشعر والغزل على وجه الخصوص وهو العصر العباسي ..ولو دققنا أكثر في المفردات لوجدنا المتانةوالرشاقةفي بنية القصيدة فهي رومانسية وصفية من الطراز الأول ..ولأن العيون محط جمال المرأة فقد كانت أحد مواضيع القصيدة ذلك انها وجدت لها في كل العصور من يمدحها من الشعراء والكتاب حتى أصبحت نقطة مهمة في النسيب فقد كتب فيها الكثير من الناس وكل كال بمكياله بحسب ثقافته واحساسه بمفعول نظر الحوراء وفتك عيونها بقلوب المحبين فقد قيل :
كل السيوف قواطع إن جردت
وحسام لحظك قاطع في غمده
وغيرها الكثير على مر عصور الشعر وبذلك تصعب على أي شاعر أن يدخل غمار القول في هذا المضمار لأن من سبقوه كانوا ربما قد استنفذوا المعاني التي يتوخاها أكرم عطيف إلا أن شاعرنا كان جديرا بخوض هذه التجربة الشعرية والمنافسة بجدارة مؤتزرا بثقافته العالية وبأسلوبه الجديد وبالمعاني الجديدة المبتكره . وبشكل قشيب .
فجاءت ألفاظه تخلب اللب و معانيه عذبة وصوره بديعة وأخيلته لاتفيها الإشارة لها هنا فحسب في هذه العجالة إذ أن كل مفردة تتفصد عطرا وتهمي على الروح كمزن طال انتظاره..
أما من حيث الجانب التقعيدي والتقني فقد أبدع شاعرنا من حيث تقنية الكتابة وبجودة عالية دون حشو أو اضطرار بل انسجام عال وتسلسل في الأفكار وسلاسة في تلاحق الصور… والمفردات البديعة مثل :
فلق الدجى
أسطورة
أفخم جملة
أثير البوح
عروجها ومسراها
ردهة الأفلاك
التأويل
رهبة المعنى
ولادة الأسلوب
قيثارة
وتر المساء
وحينا
ولنبدأ بحرف الروي وهو حرف الهاء مع ألف الإطلاق ( ها) إذ أن هذا الحرف له فلسفة خاصة عند الشعراء وكأن البيت المقفى بالهاء مع الف الإطلاق يعبر عن المشاعر الدفينه على اختلافها لدى الشاعر وكون مخرجه من أدنى الحلق فخروجه يحمل كمية من الهواء ليكون بذلك معبرا عن الوجد او الكربة أو الشوق وأحيانا ربما عن الحالة الوجدانية التي يعيشها كاتب النص الذي نحن بصدده( وجهة نظري) .
أما مفردة ( فلق الدجى) فهي جديرة بالتأمل فقد شبه شاعرنا سواد عينيها بحلكة الدجي في صورة بديعة النمط وهو يذكرني بقول إيليا أبو ماضي :
ليت الذي خلق العيون السودا
خلق القلوب الخافقات حديدا
وهو يقصد كي لاتفتك به هذه العيون لجمالها وسوادها واشتداد البياض فيها .
ولفت نظري لفظة ( أسطورة ) وهي كلمة عجيبة برأيي المتواضع ..إذ أن المعروف ان الأسطورة مرادفة الخرافة في السياقات التدوينية.. ثم هل كان شاعرنا يقصد أن لها جمالا أسطوريا خرافي الوصف ؟!! فلانجد مثلها إلا في الأساطير التي تحكي قصص الجميلات قديما ..
سبحان من سواها…… وكأني به قد أحجم عن قول : كأن جمالها يشبه الشمس في ضحاها ..ثم يختم المطلع البهي بالسبحنة لخالق الجمال. وقد صدر هذا القول في الشطر الثاني من جانب ديني إذ أن غالبية الشعر الشرقي بشكل أعم ينزع له فكثيرا ما وجدنا قصائد تختتم بالصلاة على النبي أو ذكر الله وهي عادة درج عليها كثير من الشعراء قديما وحديثا وهو ما رميت اليه بحديثي .

عيناك أفخمُ جملة… ماهذا الجمال الخلاب لقد انسنت اللغة ياأكرم وجعلت من جمال عينيها لغة للجمال والروعة في تجديد جميل يحمل مشاعر فياضة لايعرفها الا من مر بحالة كهذه ..
ولعل الجرس الموسيقي لهذا يسارع أو يحفز بما لايدعو للشك نبض القارئ لاستكمال القصيدة السبيكة التي نحن بصدد سبر أغوار الجمال فيها ليصل المعنى كما يقال كامل الدسم .

ثم يصل الشاعر إلى قوله :
إيقاعُها أيقونةٌ ضُبطت على
ألحانِ فيروزَ التي أهواها
هل للعيون إيقاع ربما لا لكنها في خفضتها ونظرتها الخاطفة لها ايقاعها الخاص بقلب العاشق لذا اختار كلمة إيقاعها . إذاً فشاعرنا يرى بعين قلبه إضافة إلى ماسبق فقد ألِف سماع أغاني فيروز التي كانت تمثل عنده التعبير الجمالي عن حالته العاطفية فحين يسمع أغنية( بعت لك ياحبيب الروح بعت لك روحي ... ) فكأنه يتمثلها عند اشتداد اوار الشوق والوجد لحسنائه ..
في سُبحةِ النُّور البهي عُروجها
ليلاً وذابَ القلب ُ في مسراها
ربما كانت أغنية فيروز (حبيبي بدو القمر والقمر بعيد والسما عالية ماتطلع للإيد ) تمثل حالته العاطفية التي يعيشها ولذلك قال : التي أهواها
في رُدهةِ الأفلاكِ صوتُ حديثها
نغمٌ من الأفراحِ في نجواها
وللقارئ الحق في التساؤل عن علاقة الافلاك بحبيبين يتهامسا وكلاهما يبث شجونه وشوقه للآخر؟! وهي صورة عجيبة إذ أن الإجابة مندسة بين ثنايا البيت حيث أن النظرة الرومانتيكية التي يرى بها حديث العاشقين ويسمع همسها كأن الكون كله فرح وسعيد لهذا اللقاء الاسطوري العاطفي فكل النجوم والأفلاك تشاركه هذا الجو الذي يعيشه فكما قيل : كل سعيد يرى الدنيا جميلة تزهو أمامه .. لأنه يرى كل ماحوله مبتهج ومبهج وهي نظرة عميقة تجعل من النص النص ساحرا جذابا يستدعيك لأن تقرأه كل مرة فتعيد رسم الصور بشكل آخر وبطعم آخر على خارطة القصيدة .
نزلت على قلبي يَفيضُ خُشُوعها
ويرافق ُ التأويلُ وقع خُطاها
كلمة خشوع وتأويل وهما مصطلحين لهما جذور دينية تطلق على الأفعال المقدسة في الميثيولوجيا البشرية وقد أدرجتا لتمنح لقاء الحبيبين قداسة وهالة من المهابة متئدا على أن الحب النقي مقدسٌ ويجب الإذعان والإيمان بهذا الحب ..ثم أن ( نزلت ) جاءت من علو إذاً فهي في عين قلبه الخفاق سماوية سامية تنتمي للحور العين في الجنة وهي نقية من أدران الأرضية التي تتسم بالخطيئة وهي إشارة بطرف خفي من الكاتب أنها لم تقترف خطيئة كخطايا بنات جنسها وهو أحد أسباب حبه لها .

سُبحانَ وارتجفَ الفؤادُ مُسبحاً
من رهبةِ المعنى وصاحَ فتاها

عفويةُ الألفاظِ تنطقُ حكمةً
ولادةُ الأسلوبِ في معناها
سبحان !! إنه لفظ عجيب والمعنى المقتبس هو ان الشاعر حين رأى جمالها الفتان حال نزولها بهذا الالق والجمال والنقاء سبح الله وافتتن بها بعكس حالة صواحب يوسف عليه السلام اللاتين أكبرنه وقطعن أيديهن… لذا فإن فتاها الذي تمثله الشاعر صاح دهشة وسبح الله ولكنه لم يقطع انامله كما فعلت صواحب يوسف وذلك لأن جمالها وروعتها قد قطعت عليه كل السبل إلا سبيل حبها والوله بها ..أما المعنى الذي أشار إليه الشاعر فيقصد أنها المعنى الحقيقي للجمال أو الجمال في أبهى صوره ومعانيه ..

عفويةُ الألفاظِ تنطقُ حكمةً
ولادةُ الأسلوبِ في معناها

أما مصطلح عفوية فهو يدل بما لايدعو للشك بأن العفوية دليل قوي على عدم اصطناعها للألفاظ التي قد يكشف زيفها على مرور الأيام ..
أما من طرافة المعاني فقد وردت كلمة تنطق حكمة .. لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة ..كما قيل ..
لمَّاحةٌ للصمتِ تُحسِنُ فهمهُ
وفقيهةُ الأسرارِ ما أحلاها
وهي تفهم الصمت وتكتفي به لأن قلوب العاشقين لها عيون ترى مالا يراه الناظرونا فالقلوب تحادث القلوب في مشهد سوريالي فخم لايشابهه إلا أفلام التايتنك ..
ومن هلال الدراسة للنص بشكل عام فقد وجدت مصطلحات علمية دينية وهي تشير بطرف خفي لقداسة هذا الحب وكأنما أرادته لهما السماء من مثل : سبحان . سبحة النور . عروجها . مسراها . الجلال .يغشاها . سكينة.النجوى .نزلت على قلبي . خشوعها . رهبة . فقيهة .وحينا ..

إنيِّ اقْترَفت ُمن المجازِ قصيدةً
عزفت على وترِ ِالمساءِ صداها

سيؤُرشفُ التاريخُ قِصَةَ حُبنا
ومشَاعراً من وحيِنا عشنَاها
وقد اختتم شاعرنا قصيدته السبيكة بهذين البيتين الجميلين وهو تقرير بأن هذا الحب سيؤرشفه ( أي سيخلده) التاريخ والتاريخ لاينسى وأظنه سيكتب هذا الحب بسطور مضيئة يحفها الجمال والجلال كما أسلف شاعرنا وأظنني لو أعدت قراءة القصيدة لوجدت فيها مالم أجده في قراءتي المتواضعة هذه وأعتقد أن الأمر كذلك لدى القراء الكرام .
إن الشاعر هو أكثر الناس إحساسا وأرقهم مشاعر واكثرهم استشفافا ( للصمت) وأكثرهم عمقا إن أجرى قلمه ليسطر هكذا جمال يسلب اللب ويحبس الأنفاس ويجعل القارىء يصيح سبحان الله كما قرر شاعرنا حين رأى حسناءه تهبط من علٍ كملاك خرافي الطلعة وبعينين تنطق أفخم اللغات وهي لغة الحب والحب فقط .
أختم قراءتي البسيطة هذه الملقاة على شاطئ يم القصيدة وهي قاصرة بكل تأكيد إلا أنها جاءت من وحي ماقرأته روحي في هذا النص الباذخ بالجمال والمتبل بالنقاء والأسلوب السلس والالفاظ الفخمة واضفاء الجو الدرامي الرومانتيكي الأنيق .اختمها بالتحية لشاعر من نوع نادر وصاحب قلم عذب يبدأ الكتابة فتنهمر عليه المعاني تتسابق ليعطيها مكانها ومكانتها بتمكن فريد ورقيق ..تحية محبة وإجلال ..
إعلان
تابعنا
ملفات