أكلها الذئب

25-12-2020 09:58:24    مشاهدات301


واي إن إن - إبراهيم الحمزي


نهضت من الفراش لتتأكد هل أغلقت باب منزلها جيداً أم لا ؟ ارتفعت ببطئ من السرير خشية إحداث حركة مفاجئة تسبب في إيقاظ طفلها ذو السنة والأربعة أشهر ، اعتدلت بقامتها السامقة بجانب السرير ونظرت نحو الفانوس - القنديل - المعلق وسط الغرفة المظلمة ، فقط شعاع صغير يتوسط ذلك الفانوس ، يحاول الإنتصار على الظلام ولكنه لم يستطيع.


رفعت يدها اليمنى بعد أن أصلحت حجابها وقبضت على الفانوس من الأعلى ، ثم زادت من نسبة الإضاءة برفع الفتيلة قليلاً ، ذهبت إلى الباب ووجدته مغلق بشكل جيد ، عادت الى الفراش بعد أن علقت الفانوس واخفضت الإضاءة.


تذكرت شيئاً ما قبل أن تغطي جسمها الندي باللحاف ، استدارت نحو طفلها وقالت : نعم صليت من أجله ، أثناء عشر ركعة صليتهن من أجل والدك يا باسم. طفلها الملائكي في سبات عميق ، واضع إحدى أصابع يده اليمنى في فمه ، نظرت نحو باسم - دمعة ونهدة - هكذا تستقبل النوم كل يوم ، عينيها مكحلتان بالفراق عن زوجها الذي سافر وترك القرية قبل ولادة باسم بخمسة أشهر.


صدرها متكور تحت قميصها المزركش الذي حصلت عليه هدية يوم زفافها ، ناضج وكأنه فاكهة خرجت من الجنة ، بارز ومتحجر يحتاج إلى الأيادي التي اختفت خلف ستارة الغيب لتجعله لين يدر الحليب لطفلها الرضيع.


ذهبت الى كل الأئمة ومعها سمن بقرتها من أجل الدعاء لزوجها أن يعود ، جربت دعاء ساعات الليل المتأخرة ولكن وخزات البرد جعلتها تستسلم للمنام ، أهدت كل اغنامها للصوفاء - المتصوفين - من أجل كتابة أوراق تساعد زوجها في الرجوع الى دياره التي اشتاقت للمسة يديه ، ونظرة عينيه ، ولكنها توقفت عندما انتهى قطيع غنمها هدايا للصوفاء دون فائدة تذكر ، كانت تسبح في السماء مع النجوم لعلها تجده في بقعة على الأرض ، تقرأ تعويذات سمعتهن من والدتها عندما كان يغيب ولكن النتائج كانت لا تتغير.


نهضت فجأة ورفعت فتيلة الفانوس ثم قعدت على الأرض ، أخرجت صندوقها القديم الذي أتت به من بيت والدها يوم الزفاف من تحت السرير ثم فتحته وبدأت تبحث عن شيئاً ما ، كانت كالمريض الذي وجد ترياق لمرضه ، تبحث كالمجنونة ، كالتائهة التي حصلت على قافلة تنقذها من الضياع.


توقفت عن البحث فجأة وفي يدها شيئاً ما أخرجته من الصندوق ، رفعته إلى محاذاة وجهها وتبسمت ثم ذرفت دمعة شقت طريقها إلى القلب الغارق في بحر الشوق لزوجها الغائب.


- شمعه ، نعم شمعه ، الهدية التي سوف أقدمها لآخر منقذ يمكنه مساعدتنا في عودة والدك يا باسم. قالت ذلك وهي تمسح الدموع بطرف قميصها الذي أصابه البلى والنسيان ، بلى المظهر ونسيان زوجها له وعدم تجديد لبسها بقميص فاخر مثل كل نساء أهل القريه.


- قبر الولي الصالح بن باهوت من يمكنه مساعدتنا يا باسم ، سوق أذهب واشعل هذه الشمعه على قبره ثم اسقيه سمن بقرتنا من أجل أن يساعدنا ، أمي ، حتى أمي كانت تفعل ذلك عندما يمرض أحد إخواني ، أو يغيب والدي ، أو يصيب مكره بقرتنا يا باسم ، هذا الولي الصالح له كرامات الأولياء ، حتى يقال إنه هو من يمسك الجبل من السقوط يا باسم. كانت تنظر نحو بإسم وتحدثه بهمس ، نهضت ثم أخذت الفانوس وقالت بعد نظرت إلى طفلها الخالد في النوم : لا تخاف ، سأعود حالاً.


فتحت باب منزلها وخرجت ونور الفانوس الأحمر الباهت يشق طريقه في الظلام ، ظلام دامس يغطي جمال القرية النائمة في جوف الليل ، ندفات الرياح تهب بإنسياب سلس يحدث راحة عميقة في القلب ، اتجهت نحو الوادي الذي يقع أسفل الجبل ، ذلك الجبل الذي يسكنه قبر الولي الصالح - بن باهوت - حبها لزوجها جعلها صلبة كأنها حجر من أحجار القريه ، لم تفكر بالعواقب ، بقدر ما تفكر بعودة زوجها إلى القريه بعد غربته التي طالت مدة أكثر مما تتوقع.


بدأت تصعد الجبل ذو الانحدار الشديد ، أحسست بقشعريرة سرت في جسدها ، تنظر نحو الأعلى والاسفل بخوف شديد ، تذكرت باسم ، ثم نظرت إلى الأعلى ووجدت المسافة المتبقية قصيرة إلى القبر ، تقدمت خطوة واندفع لها الطاهش من الأعلى ، قاومته من أجل البقاء واللقاء ، وأكلها من أجل البقاء ، تركت الحب وباسم لمعتقدات خاطئة كانت سبب في إزهاق روحها التواقة إلى الحب ، وفي اليوم الثالث ، لاحظ أهل القريه غياب والدة باسم وقرروا كسر الباب ،باسم فارق الحياة بسبب الجوع ، بحثوا عن والدته ولم يجدوا سواء الشمعة والسمن وأعواد الثقاب.
إعلان
تابعنا
ملفات