عن خفايا بعث ملف مقتل خاشقجي من جديد(تقريرخاص)

27-02-2021 10:07:06    مشاهدات400


واي إن إن - تقرير: عمر جميل القباطي

كشف تقرير استخباراتي أمريكي رُفع عنه السرية الجمعة الفائت 26 فبراير بعض الخفايا عن مقتل الصحفي السعودي/ جمال خاشقجي إذ ورد فيه بشكل صريح ولأول مرة أن ولي العهد السعودي الأمير/ محمد ابن سلمان وافق على خطة للقبض على خاشقجي أو قتله معللا هذا الإستنتاج بأنه - ابن سلمان - الحاكم الفعلي في بلاده ولا يمكن لمثل هكذا عمليات أن تُنفذ دون علمه، وكذا مشاركة المقربين منه في العملية، وميوله لاستخدام القوة لإسكات معارضيه ومناهضي سياسته في الداخل والخارج.

وفي المقابل أصدرت الخارجية السعودية بيانا هزيلا استكرت فيه التقرير ورفضته جملة وتفصيلا، ووصفته بـ "المسيء وغير الصحيح".

والمتتبع للتقرير سيرى أنه لم يأت بجديد، فالجميع يعرف من خطط وأمر ونفذ تلك العملية الشنيعة، وما يهمنا والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هدف الإدارة الأمريكية من نشر هذا التقرير أهو محاسبة المتورطين وتحقيق العدالة أم ثمة شيء آخر، وما انعكاسات ذلك على العلاقات السعودية الأمريكية؟

قبل محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات لابد من الرجوع إلى أصل القصة وكيف بدأت:

كان جمال خاشقجي صحفي معروف ومخضرم لديه علاقات واسعة مع كتاب ونشطاء وأكاديميين ومسئولين في عدة بلدان، عمل مراسلا في عدة بلدان كالسودان وأفغانستان وغطى الجهاد الأفغاني وحرب الخليج الثانية، وكان مقربا من العائلة الحاكمة السعودية إذ كان لفترة طويلة ضمن دائرة الديوان الملكي، وعمل رئيسا لتحرير صحيفة "الوطن" وعيّن مديراً عاماً لقناة "العرب" الإخبارية التي كانت مملوكة للأمير الوليد بن طلال، وعمل مستشاراً إعلامياً للأمير تركي الفيصل وهو المدير العام السابق للاستخبارات العامة السعودية والسفير السعودي السابق في لندن، وعُرف أنه كان من المدافعين عن بلاده ضد الصلف والابتزاز الأمريكي.

وبعد أن اعتلى الملك سلمان العرش، عين ابنه محمد نائبا لولي العهد ثم وليا للعهد وأصبح محمد ابن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية والذي أوكل لنفسه مهمة "اقتلاع الإرهاب" ونقل السعودية لطور جديد تكون فيها موالية وتابعة للغرب اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، وليثبت نفسه في الحكم وليمنع أي منافسة له قام بإزاحة وجوه بارزة في العائلة الحاكمة كـ الوليد ابن طلال ومتعب ابن عبدالله ومحمد ابن نايف تحت ستار محاربة الفساد، ولتمرير خططه التغريبية حارب الخطباء والدعاة والمفكرين وأحفاهم في غياهب السجون وأطلق العنان لجميع وسائل الإعلام السعودية لمهاجمة أي حركة أو دولة تناهض سياساته.

وهذا مالم يرق لـ خاشقجي؛ فكتب عدة مقالات يتململ فيها من توجهات السلطة الجديدة وتضيقها للحريات العامة وطريقة تعاملها مع ملف اليمن، وداعيا للإصلاح وتعديل السياسات، وأخرى يهاجم فيها الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" في بداية تقلده السلطة مما حدى بالسلطات السعودية إصدار بيان أعلنت فيه أن خاشقجي لا يمثل سوى نفسه، ثم قررت منعه من الكتابة وجردته من قلمه وأوقفته عن الكتابة في صحيفة "الحياة اللندنية" المملوكة لأحد الأمراء، بل مُنع حتى من التغريد في تويتر، ولمواجهة كل هذه الإجراءات ضده قرر الخروج من بلاده واختار أمريكا لتكون منفاه الاختياري، ومن هناك بدأ بالكتابة في صحيفة "الواشنطن بوست" منتقدا الأوضاع في السعودية ومناصرا لدعوات التغيير في المنطقة.

لم تتحمل سلطات بلاده ما يفعله؛ فحاولت ثنيه وتحذيره إلا أنه رفض، فققرت اللجوء إلى سياسة الإختطاف والقتل التي اشتهرت بها كثيرا وطبقتها مع أفراد من العائلة الحاكمة نفسها كاختطافها ثلاثة أمراء بين عامي 2016م و 2017م وهم: الأمير سلطان ابن تركي، والأمير تركي ابن بندر وهو الذي كان مسئولا عن فرض النظام بين أفراد الأسرة، والأمير سعود ابن سيف النصر وهو الذي دعا لمقاضاة المسؤولين السعوديين الذين أيدوا عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وجميعهم اختفوا ولا يعرف أحد مكانهم, والتحق بهم خاشقجي في أكتوبر/تشرين الثاني 2018م بعد أن ذهب إلى اسطنبول وتوجه إلى قنصلية بلاده لينجز بعض المعاملات، ولم يعرف أن مشرحة بانتظاره لتقطيعه إربا إربا.

وفي بداية اختفائه أنكرت السلطات السعودية أنه قُتل ونفت أن يكون قد مسه أذى وتنصلت تماما عن الاتهامات الموجهة إليها، وصورت الأمر وكأنه مؤامرة عليها ! غير أن تحقيقات السلطات التركية ومتابعتها كشفت أنه دخل القنصلية ولم يخرج منها ثم اتضح أنه لن يخرج منها أبدا، ومع تتابع الأدلة وظهورها ووضوحها أقرت السعودية بحقيقة ما حدث واضطرت على إلقاء القبض على المتهمين، ولاحقا أصدرت أحكاما بالسجن 20عاما على بعضهم وأعلنت أن القضية انتهت وتم إغلاقها، إلا أن الكثير شككوا في صدقية وجدية تلك المحاكمات, لذا فتحت تركيا تحقيقها الخاص ودعت السعودية أكثر من مرة لتسليمها المتهمين, ودخلت الأمم المتحدة على الخط وعينت محققا خاصا لكشف الحقيقة.

تقرير الإستخبارات والهدف الأمريكي

مع صدور التقرير انبعثت القضية من جديد، لكن هذه المرة أصابع الاتهام أشارت نحو ولي العهد محمد ابن سلمان مباشرة؛ فهل هذا يعني أن أمريكا لن تتعامل معه وستبحث عن ولي عهد آخر، وستساعد على إحالته للمحاكمة أو على الأقل ستفرض عقوبات عليه كمنعه من السفر كما فرضت على المتورطين الآخرين؟

يستبعد تماما أن تتخذ الإدارة الأمريكية أي إجراء حقيقي ضد ابن سلمان، وهذا ما أكدته صحيفة "نيويورك تايمز" التي نقلت عن مسؤولين أمريكيين بأن الرئيس جو بايدن قرر عدم معاقبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مباشرة بسبب قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي لأن ثمن ذلك سيكون باهظا للغاية لاسيما فيما يتعلق بالتعاون بشأن محاربة الإرهاب ومواجهة إيران كما قالت.

إذا أمريكا لا يعنيها تحقيق العدالة في شىء، فمن جهة هي أكثر من يجيد القتل والاغتيالات، ومن جهة أخرى تؤمن بأنها لن تجد أفضل من ولي العهد لحكم السعودية فهو الذي أبرم صفقات بمئات المليارات لصالحها، وتكفل بنفقة الجنود والعمليات العسكرية الأمريكية، وأعلن استعداده للتطبيع مع الكيان الصهيوني وتعاون معه بالخفاء، وعمل ولا يزال على تجفيف منابع التدين ودعم المستبدين في كل مكان..الخ وإذا كانت مهتمة بتحقيق العدالة لكانت فعلت ذلك عام 2018 لكن الحال كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصريحات له بذات العام "ما نلاحظه في قضية خاشقجي هو تجاهلها المطلق، فيما فرضوا علينا الكثير من العقوبات في قضية سكريبال"

والكشف عن التقرير يبدوا أنه يصبوا لابتزاز السعودية أكثر ومهما أخذت أمريكا فإنها لن تشبع، ومن أجل الضغط على السعودية لتذعن للمخططات الأمريكية الجديدة التي تسعى لتمكين إيران، وورقة أخرى بجانب قانون جاستا لضمان السيطرة الكاملة على القرار السيادي السعودي.
إعلان
تابعنا
ملفات