حرب العالمية الثالثة.. هل يمكن هزيمة قوة مسلحة نوويا؟

03-03-2022 07:18:55    مشاهدات262

واي إن إن - متابعات

بينما تختبر الولايات المتحدة وروسيا والصين الصبر والتركيز الاستراتيجي لبعضهم البعض، وصلت التكهنات حول احتمالية نشوب حرب عالمية إلى مستوى عالٍ جديد. لكنّ كثيرا من الأشخاص الذين شاركوا بجدية في هذا النقاش المهم كثيرا ما يخطئون التقدير.
عندما يتعلق الأمر بتقدير القدرة العسكرية، فإن وسائل الإعلام الغربية تهتم بشكل أساسي بقدرات الأسلحة للدول الضعيفة؛ ونادرا ما تعير أدنى اهتمام للقدرة الهائلة للولايات المتحدة التي لا تزال مسؤولة عن معظم نفقات الدفاع العالمية.
إن أي مناقشة منطقية حول ما قد تبدو عليه حرب عالمية ثالثة افتراضية، يجب أن تبدأ بحجم وقوة العتاد العسكري الأميركي. على الرغم من أن الصين وروسيا تسعيان إلى التسليح في شتى التدابير، فإن القادة العسكريين الأميركيين يتمتعون بالقدرة على السيطرة على الأزمات المتصاعدة ومقاومة القوى المعارضة قبل أن يتم استخدام هذه القوى.
وحدها: تمتلك البحرية الأميركية بالفعل 4000 صاروخ كروز توماهوك، بينما تتسلم البحرية والقوات الجوية حاليا 5000 صاروخ كروز تقليدي من طراز "إيه جي إم-158" (JASSM) يتراوح مداها بين 200 و600 ميل، بالكاد تكون مرئية للرادار، وهي مصممة لتدمير أهداف "محصنة مصلدة" مثل مستودعات الصواريخ النووية. وعلى النقيض من ذلك، فإن روسيا والصين ليس لديهما ما يماثل الكمية أو الجودة التي يمكن استخدامها لتهديد البر الرئيسي الأميركي.
وينطبق الأمر نفسه على القوات البحرية؛ على الرغم مما أُثير حول الفرقاطات* الروسية والسفن الأصغر حجما المتمركزة قبالة الساحل السوري، فإن فرنسا وحدها لديها 20 سفينة حربية وحاملة طائرات في البحر الأبيض المتوسط، وتضم القوات الأميركية العاملة (الدائمة) في المنطقة ست مدمرات مزودة بعشرات من صواريخ كروز والأنظمة المضادة للصواريخ. في الطرف الآخر من أوروبا، يهدد الجيش الروسي دول البلطيق الصغيرة، ولكن نادرا ما يُلاحظ أن الأسطول الروسي في بحر البلطيق الروسي هو بنفس حجم أسطول الدنمارك ونصف حجم أسطول ألمانيا.
في غضون ذلك، أُبلِغ عن سلوك الصين التوسعي في بحر الصين الجنوبي بالتزامن مع قصص أول حاملة طائرات للصين وصواريخها البالستية طويلة المدى. وفقا للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، على الرغم من أن البحرية الصينية كبيرة ومتنامية، فإنها لا تزال وحسب تعادل عدد أساطيل اليابان وتايوان معا، في حين أن الولايات المتحدة لديها 19 ناقلة طائرات في جميع أنحاء العالم إذا تم تضمين سفن الهجوم البحري الخاصة بها. فوق كل هذا العتاد، يتربع العامل النووي بالطبع.
تتساقط من السماء
الولايات المتحدة وروسيا والصين كلها مسلحة نوويا. كشف فلاديمير بوتين مؤخرا عن أسطول جديد من الصواريخ القادرة على حمل السلاح النووي، ووصفه بأنه "لا يقهر في مواجهة جميع الأنظمة الحالية والمستقبلية"، واقترح البعض أن الصين قد تتحول عن سياسة عدم الاستخدام أولا (يشير إلى تعهد أو سياسة من قبل قوة نووية بعدم استخدام الأسلحة النووية كوسيلة في الحرب إلا إذا هاجمها الخصم أولا باستخدام الأسلحة النووية). وجميع ما ذكر آنفا هو أمر مزعج بما لا يمكن إنكاره؛ بينما كان يُفترض منذ فترة طويلة أن تهديد الأسلحة النووية يعمل كرادع لأي حرب بين القوى العظمى، فمن الممكن أيضا أن يكون الحظ قد رافق العالم ببساطة. لكن مرة أخرى، يتم تجاهل قدرات الولايات المتحدة غير النووية في كثير من الأحيان.
قد يعتقد القادة الأميركيون في واقع الأمر أنهم يستطيعون إزالة الردع النووي الروسي بهجوم تقليدي ساحق تدعمه الدفاعات الصاروخية. وقد تم استزراع هذه القدرة في إطار برنامج الضربة العالمية الفورية (Prompt Global Strike)** الذي بدأ قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 واستمر خلال سنوات أوباما. يتم تنظيم هذه القوة من خلال قيادة القصف الشامل في سلاح الجو الأميركي، وهي عبارة عن استخدام الأسلحة التقليدية لمهاجمة أي مكان على الأرض في أقل من 60 دقيقة.
هذا لا يعني أن المهمة ستكون بسيطة؛ فمن أجل تدمير الصواريخ النووية الروسية قبل أن يتم إطلاقها، سوف يحتاج الجيش الأميركي أولا إلى حجب الرادار والقيادة الروسية واتصالاتها إلى الهجوم الوارد، على الأرجح باستخدام هجمات مادية وإلكترونية. سيتعيّن عندئذ تدمير نحو 200 صاروخ ثابت و200 صاروخ متنقل على الأرض وعشرات من غواصات الصواريخ الروسية والقاذفات الروسية. عندها ستحتاج إلى إسقاط أي صواريخ روسية متبقية يمكن إطلاقها.
روسيا ليست في وضع يؤهلها للنجاة من مثل هذا الهجوم؛ إن رادارات الإنذار المبكر الخاصة بها -سواء الأرضية أو المرتبطة بالأقمار الصناعية- تتحلل ويصعب استبدالها. في الوقت نفسه، قامت الولايات المتحدة بتطوير مجموعة من التقنيات لتنفيذ مهام مكافحة الأقمار الصناعية والرادار (سلاح مضاد للأقمار الصناعية)، ولا تزال تقوم بتطويرها، وقد تم استخدامها لسنوات. بالعودة إلى عام 1985، أسقطت قمرا صناعيا بطائرة مقاتلة طراز إف-15. مع ذلك، يعتمد الغرب بشكل كبير على الأقمار الصناعية أيضا، وتستمر روسيا والصين في تطوير أنظمتهما المضادة للأقمار الصناعية.
الحرب الجوية
تعود الطائرات القاذفة الروسية إلى الحقبة السوفياتية، وعلى الرغم من الإنذار الذي تُثيره عندما تضغط على المجال الجوي للدول الغربية، فإنها لا تشكل تهديدا كبيرا في حد ذاتها. لو واجهت الطائرات الروسية والأميركية بعضهما بعضا، فإن الروس سيجدون أنفسهم معرضين للهجوم من الطائرات التي لا يستطيعون رؤيتها أو الطائرات البعيدة كل البعد عن نطاقها.
تدّعي طواقم الغواصات الأميركية والبريطانية رقما قياسيا في تعقب الغواصات السوفياتية باستمرار أثناء مغادرتها القواعد خلال الحرب الباردة. منذ تلك الفترة، تراجعت القوات الروسية ونُشِّطت الأسلحة الأميركية المضادة للغواصات، مما أثار احتمال أن يتم القضاء على الغواصات الروسية قبل أن تتمكن حتى من إطلاق صواريخها.
يتكون قلب السلاح النووي الروسي من صواريخ أرضية، بعضها ثابت في صوامع وبعضها الآخر متنقل على السكك الحديدية والطرق. يمكن الآن استهداف الصواريخ التي في الصوامع بواسطة عدة أنواع من الصواريخ التي تحملها طائرات أميركية تكاد تكون غير مرئية للرادار. كلها مصممة لتدمير الأهداف التي تحميها المخابئ تحت الأرض والمصنوعة من الخرسانة والفولاذ. لكن المشكلة بالنسبة لمخططي الحرب الأميركيين هي أن الأمر قد يستغرق ساعات طويلة للغاية حتى وصول حاملات الصواريخ إلى هذه الأهداف، ومن ثم الحاجة إلى العمل خلال دقائق.
أحد الحلول البديهية التي تبدو بسيطة لمهاجمة الأهداف بسرعة كبيرة هو تهجين الصواريخ الباليستية النووية السريعة برؤوس حربية غير نووية. في عام 2010، صرّح روبرت غيتس -الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في عهد باراك أوباما- إن الولايات المتحدة لديها هذه القدرة. تستغرق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات 30 دقيقة فقط للانتقال بين الغرب الأوسط للولايات المتحدة وسيبيريا. إذا ما أُطلقت من غواصات ذات موقع جيد، يمكن أن تكون صواريخ ترايدنت (Trident) التي يمتلكها سلاح البحرية أسرع، مع وقت إطلاق نحو الهدف في أقل من عشر دقائق.
منذ عام 2001، عملت البحرية الأميركية على تهجين صواريخ ترايدنت الخاصة بها إما برؤوس حربية صلبة خاملة -تصل دقتها إلى حدود عشرة أمتار- وإما أسلحة شظية واسعة. وقد جادل النقاد بأن هذا سيترك العدو المحتمل غير قادر على معرفة ما إذا كان يتعرض لهجوم نووي أو تقليدي، مما يعني أنه سيتعين عليهم تحمل الأسوأ. وفقا لباحثين من الكونغرس الأميركي، فإن العمل التطويري اقترب من الاكتمال، لكن من الواضح أنه توقف في 2013.
بالرغم من ذلك، واصلت الولايات المتحدة تطوير تقنيات أخرى عبر خدماتها المسلحة لمهاجمة أهداف في جميع أنحاء العالم في أقل من ساعة؛ وفي مقدمتها صواريخ تفوق سرعة الصوت والتي قد تعود إلى الأرض بسرعة تصل إلى عشرة أضعاف سرعة الصوت، في حين تحاول كل من روسيا والصين مواكبة ذلك.
صواريخ يحسدون عليها
يتكون ما تبقى من القوة النووية لدى روسيا من صواريخ يتم نقلها على السكك الحديدية. وصف مقال نشرته وكالة سبوتنيك الإخبارية (Sputnik) -التي يرعاها الكرملين الروسي- كيف سيكون من الصعب للغاية العثور على عربات السكك الحديدية الناقلة للصواريخ حيث لن تكون الضربة العالمية الفورية فعالة بقدر ما تود الولايات المتحدة. لكن مع مراعاة القيمة الاسمية، يشير المقال إلى أن بقية الترسانة النووية الروسية هي في الواقع ضعيفة نسبيا.
بدءا من "مطاردة صواريخ سكود" في حرب الخليج الأولى، أمضى الجيش الأميركي سنوات في تحسين كفاءته في استهداف الصواريخ الأرضية المتنقلة. وتستخدم هذه المهارات الآن أجهزة الاستشعار عن بعد لمهاجمة أهداف أرضية صغيرة في غضون مهلة قصيرة في عمليات مكافحة التمرد التي لا تُعدّ ولا تحصى التي انتهجتها منذ عام 2001.
إذا كان "سيف" الضربة العالمية الفورية لا يوقف إطلاق جميع الصواريخ الروسية، عندها يمكن للولايات المتحدة استخدام "الدرع" للدفاعات الصاروخية الخاصة بها. وقد نشرتها الولايات المتحدة بعد انسحابها من معاهدة مع روسيا كانت تحظر مثل هذه الأسلحة في عام 2002.
في حين أن بعض أنظمة الدفاع الصاروخية لما بعد 2002 قد وصفت بأنها غير فعالة، فإن البحرية الأميركية لديها نظام أكثر فاعلية يُدعى "أيغيس" والذي يدّعي أحد الرؤساء السابقين لبرنامج الدفاع الصاروخي في البنتاغون أنه يستطيع إسقاط الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. نحو 300 صاروخ أيغيس مضاد للصواريخ الباليستية الآن تزوّد 40 سفينة حربية أميركية. في عام 2008، دمر أحدها قمرا صناعيا بعد أن سقط من مداره.
عقلية الحرب
في وقت مبكر من حرب العراق، حذرت العديد من الحكومات والمتفرجين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من احتمال حدوث عواقب غير متوقعة، لكنّ الحكومتين كانتا مدفوعتين بعقلية منافية للنقد والشك. وعلى الرغم من كل الدروس التي يمكن استخلاصها من كارثة العراق، فإن هناك مخاطرة كبيرة اليوم بأن يتم اتخاذ موقف متشدد كما حدث سابقا.
عادة ما يكون للضربات الأجنبية أثر ضئيل على السياسات المحلية في الولايات المتحدة. مئات الآلاف من المدنيين العراقيين الذين ماتوا في ظل العقوبات الأولى ثم الحرب لم يؤثر موتهم سلبا على الرئيسين كلينتون أو جورج دبليو بوش. كما لا يمكن توقع وقوع إصابات مماثلة في إيران أو كوريا الشمالية أو دول أخرى، خاصة إذا استخدمت أسلحة دقيقة "إنسانية".
لكن الأهم من ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجراه سكوت ساغان من جامعة ستانفورد أن الجمهور الأميركي لن يعارض الاستخدام الوقائي للأسلحة حتى النووية منها، شريطة ألا تتأثر الولايات المتحدة نفسها بذلك. وأسلحة ترايدنت النووية توفر تلك الاستجابة.
إن السيطرة على الأسلحة التقليدية الرئيسية وكذلك أسلحة الدمار الشامل تحتاج إلى اهتمام عاجل من المجتمع المدني الدولي والإعلام والأحزاب السياسية. لا يزال هناك متسع من الوقت للحشد وراء الحملة الدولية الحائزة على جائزة نوبل لإلغاء الأسلحة النووية ومعاهدة حظر الأسلحة النووية، وإحياء وعولمة أجندة مراقبة الأسلحة المتحللة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي لعبت دورا حيويا في إنهاء الحرب الباردة سلميا إلى حد كبير.
ومثل قيصر ألمانيا*** في عام 1914، ربما كان ترامب أو أحد خلفائه سيعبر عن استيائه عندما يواجه الواقع الذي تطلقه هجمات أميركية كبرى. لكن بخلاف القيصر الذي رأى إمبراطوريته تُهزَم أولا ثم قام بتقطيع أوصالها، ربما قد ينجو الرئيس الأميركي من القرن الحادي والعشرين بفعلته.

إعلان
تابعنا
ملفات