واي إن إن - العربي الجديد
بعد أسبوع من المعارك الضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، لم يستطع أي من الطرفين حسم الموقف نهائياً. واندلعت الاشتباكات، السبت الماضي، عطفاً على خلافات عميقة بين الطرفين حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، طبقاً لما ينص عليه اتفاق إطاري وقعه الجانبان مع قوى سياسية لإنهاء الأزمة التي أعقبت انقلاب الجيش والدعم السريع على السلطة المدنية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول. وتوسعت المواجهة في يومها الأول وما يليه، في مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم، أم درمان، والخرطوم بحري، وفي أكثر من 7 ولايات سودانية و5 ولايات في إقليم دارفور، غربيّ البلاد. في منطقة وسط الخرطوم، حيث المواقع السيادية والرمزية، تستمر الاشتباكات الأعنف، وفي اليومين الماضيين، وبحسب معلومات "العربي الجديد"، نجح الجيش في إخراج "الدعم السريع" من مقر قيادة الجيش بعد أن كانت مسيطرة على جزء منه في الأيام الأولى للمواجهات، لكن المقر ما زال يتعرض لهجمات من قوات الدعم المتمركزة في نقاط قريبة على جهتي الشرق والجنوب، بينما لا تزال المعارك تدور بشراسة في محيط القصر الرئاسي الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع منذ الأيام الأولى من الحرب، مستفيدة من تمركزها القديم في المكان وحراسته برفقة قوات الحرس الرئاسي. ويواصل الجيش، حتى صباح اليوم السبت، قصفه هناك لاسترداد الموقع ذي المكانة الاستراتيجية والرمزية. وبالتوجه غرباً تزداد سيطرة الجيش السوداني، وخصوصاً على المناطق المحاذية لشارع الغابة، وصولاً إلى جسر النيل الأبيض وجسر الفتيحاب الرابط بين الخرطوم وأم درمان. وانتقلت المعارك من أحياء الخرطوم اثنين والخرطوم ثلاثة بوسط الخرطوم إلى أحياء أبعد نسبياً، ولم تتوقف المواجهات في حيّ جبرة حيث يوجد منزل قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (غير موجود فيه حالياً). وفي شرق منطقة القيادة العامة والمطار يُسمع باستمرار دوي المدافع ويُشاهد تحليق الطيران حتى صباح اليوم، رغم إعلان الهدنة بين الطرفين لمدة 3 أيام ابتداءً من مساء الجمعة. في المقابل، تزداد سيطرة الدعم السريع في مناطق جنوب الخرطوم، حيث واحد من أكبر معسكرات الدعم السريع بأرض المعسكرات في سوبا بالقرب من المدينة الرياضية والسوق المركزي. وغالباً ما تدور معارك يتدخل فيها الطيران الحربي للجيش السوداني بشارع الهوا، آخرها معركة بالقرب من مستشفى الراقي. وتسيطر "الدعم السريع" كذلك على مدخل رئيسي للخرطوم بمنطقة الباقير، حيث جرت فيه، أمس الجمعة، معركة عنيفة مع قوة من الجيش قادمة من خارج المنطقة كتعزيز للموقف. وبحسب قوات الدعم السريع، فإنها نجحت في صد الهجوم ومطاردة قوة الجيش حتى مناطق بعيدة مثل المسعودية ومدينة جياد الصناعية التابعة لهيئة التصنيع الحربي. في مدينة أم درمان، غرب العاصمة، ما زال الجيش، وبعد انتصارات حققها في اليوم الثالث من المعارك، يبسط سيطرته على المدينة التي تُعد الأكبر مقارنة بين مدن العاصمة الثلاث، والنقطة الوحيدة التي لم يحقق فيها تقدماً هي مقر الهيئة الحكومية للإذاعة والتلفزيون بوسط أم درمان. كذلك تنتشر قوات من الدعم السريع على أحياء جنوب غربيّ المدينة، وتقيم ارتكازات في الشوارع، بحسب شهود عيان. بمدينة بحري وشرق النيل، تسيطر قوات الدعم السريع على أغلب الشوارع، حيث تضع نقاطاً بعدد من المناطق والأحياء والجسور، بينما يواصل الطيران الحربي توجيه ضرباته الجوية إلى تجمعاتها. ويقول الجيش إنه حقق نتائج جيدة. أما في شرق النيل، فيسود الهدوء النسبي، وخصوصاً في طريق الخرطوم مدني الشرقي الذي أصبح الممر الأقل خطورة لخروج المدنيين هرباً من جحيم الحرب. وخارج الخرطوم وفي الولايات البعيدة، توقفت حدة المعارك تماماً، آخرها بمدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان، وقتل فيها نحو 20 شخصاً وأصيب العشرات. فيما كان لافتاً توصل الطرفين إلى وقف كامل لإطلاق النار بولاية شمال دارفور، غربيّ البلاد، بمعزل عن القيادات المركزية، وذلك تحت إشراف والي الولاية نمر محمد عبد الرحمن، وهو أحد منتسبي حركة تحرير السودان الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة عام 2020. مع هذا الوضع، يرى الفريق محمد بشير سليمان، وهو ناطق رسمي أسبق للجيش السوداني، أن عدم حسم المعركة بالنسبة إلى الجيش على وجه التحديد، سببه أن المعركة غير تقليدية، وتختلف فيها تقديرات الموقف وعامل الوقت وقواعد الاشتباك، لأنها تدور في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، وليس في أرض خالية أو جبلية. وقال سليمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن عامل الكر والفر أسهم في تشتت قوات الدعم السريع، وبالتالي تعددت ميادين المعركة، وانتشرت في الأحياء السكانية التي لجأت إليها. وأوضح أن الحسم السريع من قبل الجيش يحتاج إلى تغيير في اسلوب القتال الحالي وأدواته ومعداته وحسابات الحركة بما يتناسب مع حرب المدن، مع تطوير النهج المعلوماتي وإيقاف خطوط الإمداد للدعم السريع من داخل الخرطوم وخارجها، وحرمانها كذلك المناورة. وتوقع الفريق سليمان أن تطول الحرب إذا سارت بالوتيرة الحالية، واعتبر أن إعلان الهدنة لأكثر من مرة يطيل المعركة، لأن ذلك يتيح للدعم السريع فرصة تعزيز قواتها ورفع معنوياتها، مشيراً إلى أن الوضع الحالي لمصلحة الجيش كلياً، على عكس ما تنشره وسائل الإعلام، ولا سيما القنوات الفضائية غير المحايدة، حسب تعبيره. لكن اللواء المتقاعد صلاح عيساوي، يرى أن الإعلام لا يعكس حقيقة سيطرة قوات الدعم السريع على الأرض وانتشارها في معظم المواقع الاستراتيجية، مبيناً أن الجيش نفسه لا يريد الاعتراف بالحقيقة. وأوضح عيساوي لـ"العربي الجديد" أن خروج قوات الدعم السريع جاء لأنها أتمت مهمتها وتحركت نحو التصدي للتعزيزات العسكرية القادمة من أكثر من ولاية. وحول ما يثار عن نفاد الإمدادات الخاصة بالدعم السريع وإمكانية خسارتها، يقر عيساوي بحدوث تعثر في الإمداد في الأيام الأولى، لكن تمت معالجته بأكثر من طريقة، منها الحصول على عتاد كبير ومؤن غذائية من مخازن تابعة للجيش جرت السيطرة عليها. وبين عيساوي أن المعركة ستحسم بواحد من 3 خيارات: أولها إطاحة قائد الجيش بواسطة الجيش نفسه "خصوصاً أن هناك أصواتاً داخل الجيش اكتشفت اختطاف فلول النظام البائد لقرار الحرب". أما الخيار الثاني، فهو تدخل دولي لوقف إطلاق النار والضغط على الطرفين للابتعاد عن المدن. أما الخيار الثالث فهو الجلوس للتفاوض، وهو أمر مستبعد، لأن عناصرالنظام البائد غير راغبة فيه، وحريصة على انتصار الجيش ليعيد لها السلطة"، حسب تعبيره. لكن استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية صلاح الدومة، يجزم بأن استمرار المعركة لشهرين سيرجح كفة الجيش السوداني، لأن إمدادات الدعم السريع لن تصمد أكثر من ذلك، سواء على مستوى الذخائر أو القوة البشرية التي يصعب تعويضها، والوقود والمؤن الغذائية، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن إيقاف المعركة حالياً يتطلب قيام المجتمع السوداني بكل أطيافه بممارسة ضغط على المجتمع الدولي ليمارس هو الآخر ضغطاً على الأطراف المتنازعة لوقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة التفاوض، منبهاً إلى أن الولايات المتحدة هي الأكثر نشاطاً تجاه الحل السياسي، سواء بحكم ثقلها، أو من خلال عضويتها في اللجنة الرباعية والتي تضم كذلك المملكة المتحدة والسعودية والإمارات. وتلعب الدور نفسه، الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "ايغاد". وأبدى الدومة خشيته من ممانعة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان لفكرة الحل السياسي، و"فلول النظام السابق القريبين من المشهد والمتمسكين بإكمال خطتهم للسيطرة على الحكم مرة أخرى". وتتحرك مجموعة من قيادات الأحزاب السياسية بحماسة لإنهاء الحرب عبر الحل السياسي، تحت مسمى المبادرة الوطنية. وتقول المبادرة، في آخر بيانتها، إنها تقوم بعملها من المسؤولية التاريخية، وحرصاً على نزع فتيل الأزمة الأمنية، مشيرة إلى قبول طرفي النزاع للوساطة. فيما يبقى الهدف الآني معالجة الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه السكان، ودفن الجثث، وتأمين وصول الكوادر الطبية إلى أماكن عملهم، وإخلاء الجرحى وتأمين وصولهم إلى المستشفيات، وفتح ممرات آمنة للمدنيين المحاصرين للعبور، وبناء الثقة بين الأطراف من خلال تكرار فترات الهدنة، تمهيداً لتحويلها إلى وقف إطلاق نار دائم، وفقاً للمبادرة. واقترحت المبادرة تكوين لجنة مشتركة تضم ممثلين للأطراف، بالإضافة إلى ممثلين لحركات الكفاح المسلح لمراقبة وقف العدائيات ولتنسيق عمليات وقف إطلاق النار النهائي.
مصطفى البرغوثي
أسامة رشيد
مصطفى ناجي
عبد الرحمن الراشد
عمر سمير