واي إن إن - متابعات
في عام 2001، لم يكن جيم أونيل كبير مستشاري بنك غولدمان ساكس يتخيل أن دراسته الاقتصادية المعنونة بـ"بريك" (BRIC) التي وضعها عن الدول الناشئة لغايات تجارية وتسويقية بحتة ستكون أساسا لبناء كيان ضخم يمثل دول الجنوب، ويشكل كتلة دولية وازنة بعوامل قوة كثيرة، تقدم نفسها بديلا يستقطب دول الجنوب في عالم تكثر أزماته. فقد ساهمت الأزمات الدولية والتحولات الجيوسياسية خلال الأعوام الماضية في دفع الكثير من الدول النامية إلى طلب الانضمام إلى المجموعة، التي أصبحت لاعبا مهما في الساحة الدولية، واستطاعت أن تقدم نفسها بديلًا للكيانات الاقتصادية والسياسية الدولية القائمة -المعبرة عن عصر الهيمنة الغربية- ومموّلًا تزداد أهميته للتنمية في دول عديدة. ومع المتغيرات الكثيرة على الساحة الدولية، ينتظر أن يكون اجتماع القمة الـ15 المقبل لقادة بريكس بين 22 و24 أغسطس/آب بجوهانسبرغ حاسما في مستقبل هذه المجموعة ودورها العالمي، فما القضايا الرئيسية على جدول الأعمال؟ من المنتظر أن تناقش القمة تطوير العلاقات الاقتصادية وتعميق التعاون في مجالات التجارة والتمويل والأمن، والتنمية المتبادلة والمستدامة، تعزيز التعاون والتنسيق في القضايا الدولية بين دول المجموعة. ومن أكثر القضايا إلحاحا على جدول أعمال القمة هو التوسيع المحتمل للمجموعة، واعتماد آليات مناسبة لذلك في ضوء الخلاف الصيني الروسي-الهندي حول شروط انضمام دول جديدة، حيث أبدت أكثر من 40 دولة اهتماما بالانضمام إلى الكتلة بشكل رسمي أو غير رسمي. وتتضمن أجندة القمة، التي دعي لها قادة وممثلو 71 دولة، عنصرا مهما يتمثل في تطوير المبادلات التجارية بالعملات المحلية وتوسيع عضوية بنك التنمية الجديد (NDB) لتقليل اعتماد المجموعة على الدولار الأميركي، بينما لن يتضمن جدول الأعمال خططا لمناقشة استبدال الدولار واعتماد عملة موحدة. وقبيل انعقاد مؤتمر القمة، تعرضت المجموعة لاختبار لقوتها ومكانتها الدولية في مواجهة المنظومة الغربية وقوانينها، حيث سيغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -وهو رئيس دولة مؤسسة- عن القمة بسبب مذكرة توقيفه الصادرة عن الجنائية الدولية في مارس/آذار 2023، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وكان الاختبار الأول لصلابة التكتل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حين جمّد "بنك التنمية الجديد" القروض لروسيا لطمأنة المستثمرين على امتثاله للعقوبات الغربية، وجعلت دول المجموعة الأخرى أولويتها الوصول المستمر إلى النظام المالي القائم على الدولار، بدل مساعدة روسيا التي تعرضت لعقوبات أميركية وغربية. كيف ظهرت بريكس؟.. الحيلة التسويقية الناجعة تأسست المجموعة رسميا في 16 يونيو/حزيران عام 2009 في "يكاترينبورغ" (Yekaterinburg) في روسيا، حين عقدت أول قمة بين زعماء روسيا والصين والبرازيل والهند، وسبق ذلك اجتماع تمهيدي لأعضائها في يوليو/تموز 2008، وقبله اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع في سبتمبر/أيلول 2006 على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. وحملت المجموعة في بدايتها اسم "بريك" (BRIC) اختصارا للأحرف الأبجدية الأولى باللغة اللاتينية لكل من البرازيل وروسيا والهند والصين، كما صاغها جيم أونيل في بحثه عن الاقتصادات الناشئة، وفي سنة 2010 انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة لتصبح "بريكس" (BRICS). ويقع مقرها في مدينة شنغهاي الصينية. في تلك الفترة التي اتسمت بالهدوء النسبي في العلاقات الدولية، كانت هذه الدول تحقق معدلات نمو اقتصادية عالية، لكنها بدت غير متسقة في أنماطها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع خلافات بين أعضائها، على عكس المنظومة الغربية التي تحكمها روابط واحدة، ولذلك اعتبرت في البداية مجرد "حيلة تسويقية" غربية، وفي السنوات اللاحقة شهدت "صحوة جيوسياسية" على وقع الأزمات العالمية والمتغيرات في نظم العلاقات الدولية. وفي منتصف العقد الماضي، واجهت المجموعة عددا من المشاكل، مع انتخاب رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الهند (2014) والانقلاب على الرئيسة ديلما روسيف في البرازيل (2016)، وبذلك أصبحت دولتان من أعضاء المجموعة ترأسها حكومات أكثر تحمسا للعلاقات مع الولايات المتحدة. وفي عام 2017، وخلال عقد قمة "بريكس" في مدينة شيامين الصينية، طرحت فكرة "بريكس بلس" (BRICS plus) التي تهدف إلى إضافة دول جديدة إلى المجموعة كضيفة بصورة دائمة، أو مشاركة في الحوار. ومع عودة لولا داسيلفا إلى رئاسة البرازيل عام 2022، وتولي ديلما روسيف رئاسة بنك التنمية الجديد، تجتهد "بريكس" حاليا لتقديم نفسها على أنها تمثل دول الجنوب، وعلى أنها النموذج البديل عن مجموعة السبع، على أساس أن معظم دولها تصنف كدول نامية أو ناشئة. من الاقتصاد إلى السياسة.. ما أهداف بريكس؟ في اجتماع وزراء خارجية المجموعة الأخير في كيب تاون بجنوب أفريقيا في الثاني من يونيو /حزيران 2023 تمهيدا لقمة أغسطس/آب الجاري، لخص وزير الخارجية الهندي "سوبرامانيام جايشانكار" أهداف المجموعة بقوله: ورغم أن الغايات الاقتصادية والتنموية تغلب على أهداف تجمع بريكس، فإن ذلك لا يخفي تطلعات سياسية تتعلق بمحاولة تحقيق عالم متعدد الأقطاب، ويبرز ذلك في تصريحات بعض زعماء دول المجموعة، خصوصا الرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا اليساري المناهض للعولمة، بالإضافة إلى المسؤولين الروس. ويمكن تلخيص أهداف المجموعة وأهدافها كالآتي: • تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام من خلال مكافحة الفقر وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي وتحسين نوعية النمو. • تعزيز التنمية الاقتصادية المبتكرة والقائمة على التكنولوجيا المتقدمة. • زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في المجموعة. • تعزيز الأمن والسلام لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي. • إصلاح المؤسسات المالية الدولية لتمثيل أفضل للاقتصادات الناشئة والنامية. • تعزيز التجارة الدولية وبيئة الاستثمار بين دول المجموعة. • الحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف بالتعاون مع المجتمع الدولي. • تقديم المساعدة المالية للدول الأعضاء وغير الأعضاء. • تحقيق التنمية والتعاون، ودعم المشاريع والبنية التحتية لدول المجموعة. • تحقيق التكامل الاقتصادي للدول الأعضاء. • تحقيق التوازن الدولي والخروج من سيطرة الغرب الاقتصادية. • دعم السلام وتحقيق التنمية في العالم. • تعديل قواعد العولمة لتستفيد منها كل دول العالم. • تفعيل وتبادل العملات المحلية بين دول المجموعة. • العمل على إنشاء سوق مشتركة للتجارة الحرة وعملة موحدة. • البحث عن فرص استثمار وتطوير آفاق اقتصادية وشراكات جديدة. • محاولة الخروج من اشتراطات صندوق النقد الدولي المجحفة. • مواجهة الأزمات العالمية وتنويع الشراكات. للتغيير ساهمت عدة عوامل في اكتساب مجموعة بريكس اهتماما دوليا متناميا خصوصا في السنوات الخمس الأخيرة، على وقع ما يراه البعض تصدعا في النظام الدولي القائم وعدم توازن في نظام العلاقات الدولية ومؤسساته الخاضعة في مجملها للنفوذ الغربي. فأثناء جائحة كوفيد-19 بدءا منذ عام 2020 وتبعاتها الاقتصادية على البلدان النامية وأزمة اللقاحات، اتضح للبلدان الفقيرة والنامية (بلدان الجنوب) أن الدول الغنية والمؤسسات العالمية المرتبطة بها لا تقوم بدورها كما ينبغي، مما هز الثقة في هذه المؤسسات والمنظومة التي أنتجتها. وفي ظل تداعيات الحرب الراهنة في أوكرانيا، منحت مؤسسات الإقراض الدولية عشرات مليارات الدولارات لكييف في وقت رزحت فيه الكثير من دول الجنوب تحت أزمات اقتصادية طاحنة ومشاكل تضخم وديون غير مسبوقة، ولم تحظ باهتمام الدول الغربية أو مؤسساتها المالية رغم وصول بعضها إلى حافة الإفلاس. وفي هذا السياق، تفيد بيانات معهد كيل للاقتصاد العالمي وبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي بأنه منذ التدخل الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 وحتى 15 يناير/كانون الثاني 2023، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 78 مليار دولار تبرعات لكييف، بينها 46 مليار دولار مساعدات عسكرية، في حين منحت مؤسسات الاتحاد الأوروبي أكثر من 37 مليار دولار لأوكرانيا، وقدمت بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة نحو 40 مليار دولار. من جهته، أعلن البنك الدولي في فبراير/شباط 2023 منح أوكرانيا مساعدات إضافية بقيمة 2.5 مليار دولار، وخلال عام واحد منح البنك لكييف خط ائتمان في شكل قروض وهبات بنحو 20.6 مليار دولار، صرف منها 18.5 مليار دولار. وقدم صندوق النقد الدولي نحو 5 مليارات دولار لأوكرانيا منذ الغزو الروسي، وفي أبريل/نيسان 2023 وافق على حزمة تمويل جديدة مدتها 4 سنوات بقيمة 15.6 مليار دولار، وهي المرة الأولى التي يمنح فيها الصندوق قرضا لدولة في حالة حرب. وللمقارنة، بلغ إجمالي قروض الصندوق المقدمة لكل من مصر والمغرب وتونس والعراق والأردن واليمن وموريتانيا خلال السنوات العشر الماضية نحو 54.39 مليار دولار، وفق تقرير لوكالة الأناضول. وعلى عكس الحالة الأوكرانية، تفرض المؤسسات المالية الدولية شروط إقراض بالغة الصعوبة على دول تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة مثل سريلانكا وباكستان وبنغلاديش ومصر، وتستمر المفاوضات لسنوات مقابل مبالغ أقل بكثير، كما يتلكأ الصندوق في منح قروض لتونس ولبنان لعدم تطبيق شروطه، في حين تعطل القرض الذي أقره للسودان. وغالبا ما يفرض صندوق النقد الدولي وصفات موجعة تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية، وخصخصة الشركات الحكومية، وإقرار زيادات ضريبية، وضبط الأجور وخفض التشغيل في القطاع العام وتعويم العملة المحلية، ولا تنجح هذه الوصفات غالبا في إنقاذ تلك البلدان، وقد عبر الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا عن عدم ثقته بالمؤسسات المالية الغربية المنشأ بقوله: "لم ينجح صندوق النقد إلا في تدمير البلدان". ورغم أن دول "بريكس" تمثل 42% من سكان العالم، فإن أعضاءها الخمسة لديهم أقل من 15% من حقوق التصويت في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مقابل نحو 17% للولايات المتحدة و45% لمجموعة السبع. بريكس والبحث عن التوازن العالمي وفي ظل هذه المفارقات، ازداد الوعي لدى دول الجنوب بأهمية تعميق تعاونها بشكل يتوافق مع مشاغلها وأولوياتها، مثل مكافحة الفقر والجوع والمرض والأوبئة والبطالة والركود الاقتصادي وتأثير التغير المناخي ضمن هيكل عالمي أكثر إنصافا وشفافية وشمولية. وفي هذا السياق، تسارعت جهود توسعة مجموعة بريكس، وزادت طلبات الانضمام إليها، وأبدت 43 دولة اهتماما بالانضمام إلى المجموعة، في حين تقدمت 23 دولة بطلبات رسمية، بينها 8 دول عربية، وينتظر أن ينظر في هذه الطلبات خلال قمة أغسطس/آب. وإضافة إلى دور الحرب في أوكرانيا في كشف أوجه القصور في إدارة النظام الدولي، يمكن اختصار العوامل المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى النزوع للانضمام إلى مجموعة بريكس كالتالي: • تعرض النظام العالمي الراهن بشقيه السياسي والاقتصادي إلى هزّات متتالية. • تضرر الكثير من الدول النامية من سلاح العقوبات الاقتصادية الغربية. • اهتزاز الثقة في المؤسسات المالية الغربية وشروطها القاسية. • العالم منذ تفكك الاتحاد السوفياتي يبحث عن توازن ومنظومة دولية أكثر عدالة. • أزمة الدين الأميركي برهنت على أن الاقتصاد الأميركي لم يعد بوصلة نجاح اقتصادية يحتذى بها. • النظام السياسي الأميركي نفسه في السنوات الأخيرة لم يعد نموذجا سياسيا مثاليا. • لم تعد قيادة العالم معقودة للولايات المتحدة والغرب تكنولوجيا واقتصاديا. • صعود قوى اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية جديدة وعلى رأسها الصين. • منحت مجموعة بريكس بتنوعها وقوتها أملا في إقامة نظام دولي جديد وأكثر توازنا. • رأت الكثير من الدول أن صندوق النقد والبنك الدوليين أدوات هيمنة وتحكم. • لم يعد الاعتماد على الولايات المتحدة سياسة فعالة ومأمونة بالنسبة للكثير من الدول. • البلدان المؤسسة لمجموعة بريكس تنتمي إلى منظومة الجنوب وليس لها ماض استعماري. • تبحث الدول النامية عن فضاء أفضل وأكثر صدقية وشفافية لتمويل برامجها الاقتصادية والتنموية. بشكل عام، أصبح واضحا للكثير من الدول الفقيرة والنامية تصدع النظام العالمي الأحادي القطبية والمنظومة الدولية التي بني عليها بعد الحرب العالمية الثانية ومحورها الغرب بقيادة الولايات المتحدة اقتصاديا وماليا، عبر نظام "بريتون وودز" بمؤسساته المالية والنقدية، أو عصر التفوق الأميركي والغربي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي. مجموعة بريكس وعوامل القوة والجاذبية إضافة إلى الشكوك والهواجس التي خلفتها الأزمات الدولية القديمة والطارئة في المنظومة الدولية القائمة، فإن مجموعة بريكس بشكلها الحالي تتمتع بعوامل قوة كثيرة، مثلت عاملا جاذبا لدول الجنوب والدول النامية، فدول بريكس المؤسسة لا تنتمي إلى "دائرة الحضارة الغربية المهيمنة"، بل تشكل مزيجا من حضارات مختلفة وضاربة في التاريخ، ولديها عوامل مستقبل واعد يمكن اختصاره فيما يلي: • تضم بريكس بشكلها الحالي نحو 42% من سكان العالم وقد تتجاوز 50% مستقبلا بانضمام دول أخرى ذات ثقل سكاني مثل إندونيسيا ومصر ونيجيريا وإثيوبيا وإيران والأرجنتين. • تبلغ مساحة دول المجموعة حاليا نحو 40 مليون كيلومتر مربع، أي نحو 27% من إجمالي مساحة العالم. • تستحوذ دول المجموعة على نحو 31.5% من الناتج الإجمالي العالمي بحسب تقديرات عام 2023، مقابل 30.7% لمجموعة السبع ومن المُتوقَع أن تصل هذه النسبة إلى 33% بحلول عام 2025، حسب بيانات نشرتها مؤسسة "أكورن ماكرو" للأبحاث الاقتصادية ومقرها المملكة المتحدة. • وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي فإن حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس، بناء على تعادل القوة الشرائية يبلغ 44.1 تريليون دولار، في حين يبلغ حجم اقتصادات دول مجموعة السبع الكبرى 40.7 تريليونا. • يقدر إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي المشترك للمجموعة بشكلها الحالي بنحو 4 تريليونات دولار. • تسهم دول المجموعة بنحو 23% من الاقتصاد العالمي • تشكل المجموعة نحو 18% من تجارة السلع العالمية، و25% من الاستثمار الأجنبي. • تنتج دول المجموعة نحو 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات. • تتحكم مجموعة بريكس في 50% من احتياطي الذهب والعملات. • اقتصادات دول بريكس مكملة لبعضها (الغاز والنفط والمعادن والتكنولوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية والإمكانات العسكرية). حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس، بناء على تعادل القوة الشرائية يبلغ 44.1 تريليون دولار، في حين يبلغ حجم اقتصادات دول مجموعة السبع الكبرى 40.7 تريليونا • تنتج المجموعة ما يقارب 40.2% من مصادر الطاقة العالمية، قد تتعزز بانضمام دول أخرى منتجة للغاز والنفط كالسعودية والإمارات وإيران والجزائر وفنزويلا. • تمتلك المجموعة بنكا للتنمية وصندوق احتياطات نقدية مغرية للدول النامية التي تحتاج مساعدات وقروضا. • يشكل وجود الصين وروسيا ضمن المجموعة عنصر جذب، حيث أصبحت الصين قطبا دوليا على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، في حين تمثل روسيا قوة عسكرية ومصدرا أساسيا للسلاح. وبشكل عام، يشهد العالم تحولا متسارعا في ميزان القوى الاقتصادية، الذي تأسس منذ عقود على مركزية نفوذ مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة تدريجيا إلى مجموعة بريكس بقيادة الصين. ويمكن أن يؤدي توسع المجموعة إلى زيادة وزنها الاقتصادي ونفوذها الجيوسياسي بشكل كبير، مما يعزز دورها على الساحة العالمية. وقد يزيد انضمام عدد من الدول الثرية والفاعلة إقليميا ودوليا للمجموعة، مثل الإمارات والسعودية والجزائر وفنزويلا وإندونيسيا وإيران، من القوة الاقتصادية والسياسية والمالية ويوفر ملاءة مالية لمؤسساتها المالية الموجودة أو التي قد يتم إحداثها، وسيمثل النفط والغاز عنصرا رئيسيا من عناصر قوة المجموعة على اعتبار أن معظم الإنتاج والاحتياطي سيكون في دائرة نفوذها. وقد أنشأت دول بريكس في قمة عام 2014 مجموعة من المؤسسات المالية، بينها "بنك التنمية الجديد" برأس مالي مبدئي قدره 50 مليار دولار بغاية الوصول إلى 100 مليار دولار ومقره بمدينة شنغهاي الصينية. وبدأ بنك التنمية الجديد عمليات الإقراض التي تطورت من مليار دولار عام 2017 إلى 30 مليار دولار حتى النصف الأول من عام 2023. كما أسست المجموعة صندوقا أُطلِق عليه "صندوق الاحتياط النقدي"، يتضمن احتياطات نقدية طارئة بقيمة 100 مليار دولار تدعم الدول التي تعمل على سداد ديونها. ويبدو أن فكرة إنشاء مؤسسات دولية موازية للمؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية (صندوق النقد والبنك الدولي) لدعم النمو والتنمية على المستوى الدولي، دون قيود أو اشتراطات سياسية واجتماعية، يشكل الخطوة الأولى في مخطط المجموعة لإنشاء نظام عالمي جديد. ويكمن عنصر الجذب الأساسي في بحث الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والنامية عن مصادر تمويل جديدة دون اشتراطات تمس بنيتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وقد تجد في تكتل بريكس و"بنك التنمية الجديد" أو صندوق بريكس ملاذا مناسبا. وتسعى دول أخرى إلى تنويع الشراكات وتفادي تبعات الحصار الاقتصادي والعقوبات الأميركية والغربية وتجميد أصولها المالية المقومة بالدولار، كما حصل مع روسيا وإيران وفنزويلا وأفغانستان وسوريا وليبيا وغيرها طوال العقود الماضية. كما أن اشتراك دول المجموعة وأخرى المرشحة للانضمام في هواجس اقتصادية وتنموية واحدة تختلف عن مثيلاتها الغربية يشكل رابطا مهما بينها، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الهندي "سوبرا أمنيام جاي شانكار" حين قال: ما مواطن الضعف ومواضع الخلاف؟ رغم أن مجموعة بريكس تمتلك عوامل قوة وعناصر جذب لا يستهان بها، فإنها لا تخلو من نقاط ضعف قد تؤثر في سير عملها وتوجهاتها، خصوصا إذا كان الهدف منافسة المنظومة الغربية الراسخة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا والتي تسيّر العالم منذ عقود. ويمكن اختزال مواطن الضعف تلك كما يلي: • اختلاف طبيعة الأنظمة السياسية بين دول المجموعة وتوجهاتها الاقتصادية. • عدم وجود أمانة عامة أو مؤسسات وهياكل راسخة وثابتة للمجموعة على عكس الاتحاد الأوروبي مثلا. • اختلاف التصورات حول القضايا الاقتصادية والتجارية والتمويل بين الدول المؤسسة للمجموعة. • التنافس الاقتصادي والتجاري الحاصل بين بعض دول المجموعة خصوصا بين الهند والصين. • التخوف من هيمنة الصين على هذا التكتل الدولي ومن سياسات الإغراق وغياب التنسيق في الأسواق. • الخلافات السياسية والحدودية والتوترات بين الدول المؤسسة، خصوصا بين الصين والهند. • تداخل أنظمة اقتصادية عدة ذات أحجام متفاوتة وأسعار عملات متفاوتة في نظام اقتصادي واحد. • غياب الرابط الثقافي واختلاف الحضارات رغم عراقتها. • التباين في القوة الاقتصادية والتنموية، فالصين تمثل وحدها 69% من إجمالي الناتج المحلي لبريكس، وهو أكثر من ضعف حجم جميع أعضاء "بريكس" الآخرين مجتمعين. • غياب الرابط الجغرافي، إذ تنتمي دول المجموعة إلى 4 قارات ولا تجمع بينها روابط سياسية حتى الآن. • الصراعات الداخلية في بعض البلدان والأزمات الحادة في أخرى وعدم ثبات أنظمتها. • الصراع مع الولايات المتحدة (خاصة روسيا والصين) مما قد يحول الأمر إلى حرب باردة جديدة. • علاقة بعض دول البريكس الوطيدة مع الولايات المتحدة مثل الهند، وهي عضو في التحالف الرباعي الذي يضم أيضا الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. • التخوف من إمكانية أن تصبح المجموعة ملاذا لدول فاشلة اقتصاديا وسياسيا بما يشكل عبئا عليها. • قبول الدول ذات الاقتصادات الأضعف قد يوهن العلاقات التي تحاول البلدان بناءها داخل الكتلة. • تحفظ الهند على انضمام دول جديدة ومطالبتها بتحديد معايير وشروط واضحة. • تخوف الدول الضعيفة اقتصاديا من أن تكون مجرد سوق لسلع الدول المهيمنة ومنتجاتها. • التنافس بين الصين والهند إلى اعتماد عملتيهما المحليتين كأداة للتبادل التجاري داخل المجموعة. ومع كل هذه الخلافات ومواطن الضعف، فقد أحسنت دول المجموعة بشكل عام إدارة الأزمات، وقامت بطفرة في مبادلاتها التجارية التي وصلت بين الصين والبرازيل إلى 150 مليار دولار في عام 2022، بينما تضاعفت الصادرات الروسية إلى الهند 3 مرات من أبريل/ نيسان إلى ديسمبر/كانون الأول 2022 لتصل إلى 32.8 مليار دولار، وقفزت التجارة بين الصين وروسيا من 147 مليار دولار في عام 2021 إلى 190 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها 30%. هيمنة الدولار وعملة بريكس المفترضة على المستوى الإستراتيجي، تسعى مجموعة بريكس إلى اعتماد عملة موحدة في التجارة البينية والدولية ضمن محاولات معلنة أو خفية لتفكيك واحد من أهم أدوات هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية. وتنطلق فكرة التخلي عن الدولار من خلفية أن الولايات المتحدة تستخدم عملتها كأداة لممارسة الضغط السياسي وحمل الدول على الانصياع لمصالحها وتوجهاتها وفي الوقت الذي تدعو فيه روسيا والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل إلى هذا التوجه، تتحفظ الهند تجاهه. ويعد الرئيس البرازيلي إيناسيو لولا د اسيلفا من أهم دعاة التخلص من هيمنة الدولار، حيث قال خلال اجتماع مع نظيره الصيني في أبريل/نيسان 2023: كما كثفت روسيا من مساعيها لخلخلة هيمنة الدولار، ودعت إلى اعتماد عملة خاصة لكتلة بريكس، وهو أمر تؤيده الصين أيضا بصفتها لاعبا اقتصاديا عالميا رئيسيا، فوقفت بثقلها وراء مبادرة العملة المشتركة، كما ورد على لسان الرئيس شي جين بينغ حين قال: لكن الهند تتمسك بتحفظها على هذه الخطوة، مشككة في جدواها ومانحة الأولوية لمصالحها الوطنية، وقد عبر رئيس وزرائها ناريندا مودي صراحة عن ذلك بقوله: ومع عدم حسم هذا الخلاف، تركز المجموعة مبدئيا على تعزيز التبادل التجاري بالعملات المحلية، كما يحدث بين روسيا والصين والسعودية والإمارات والهند ودول أخرى، نظرا لصعوبة التخلص من الدولار على المدى القريب للاعتبارات التالية: • يعد الدولار العملة المهيمنة في النظام التجاري والمصرفي العالمي وستستمر هذه الهيمنة لمدة، وأي تحول سريع نحو عملة جديدة سيحدث صدمة شديدة في النظام الاقتصادي العالمي. • يعتبر الدولار مخزونا للمدخرات والقيم المالية، واحتياطيات البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم. • تأسست البنية المصرفية والتجارية العالمية وأنظمة الدفع والتحويل الإلكترونية وترسخت على الدولار. • لا يزال الدولار يحتل نصيب الأسد في سلة عملات احتياطيات دول العالم وديونها تقوم بالدولار. • تعد الصين ثاني أكبر مشتر لسندات الخزانة الأميركية، وتمتلك نحو 3 تريليونات دولار ضمن احتياطيها من النقد الأجنبي، وهي بذلك ستتأثر بأي إجراء يخص الدولار. • يقدر الاحتياطي العالمي من العملات الأجنبية بالدولار الأميركي نحو 61%، مقابل 3% لليوان الصيني. • الدولار يعد العملة الرئيسية في المؤسسات المالية العالمية، وفي الأسواق العالمية للأسهم، وأسواق السلع والودائع البنكية، والتمويل الإنمائي والاقتراض. • تمثل التجارة بالدولار 80% من حجم التجارة العالمية، كما يتم تقييم الديون بالدولار. • دول بريكس -ما عدا روسيا- لا تزال تتمتع بعلاقات اقتصادية وثيقة بالدول الغربية، ومن ثم يصعب عليها التخلي الكامل عن استخدام الدولار والاعتماد على سلة عملات بريكس فقط. • يمكن للولايات المتحدة أن تضغط على الدول لإجبارها على عدم الانضمام إلى تجمع غير متحالف مع النظم الاقتصادية الغربية. ومع ذلك تشير الأرقام إلى أن المبادلات بالعملات المحلية تكتسب زخما متزايدا خصوصا الروبية الهندية واليوان الصيني، وبذلت بكين جهودا كبيرة للترويج لعملتها (اليوان) في التجارة الدولية مع زيادة التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة، ويشهد اليوان منذ عام 2016 أسرع معدل نمو بين العملات العالمية. وبدأت المملكة العربية السعودية والبرازيل والهند والأرجنتين وباكستان وبوليفيا والعراق ودول أخرى إنجاز صفقات باستخدام اليوان أو أعربت عن استعدادها للمشاركة في التجارة المقومة باليوان في المستقبل. كما بدأت الهند والإمارات ودول أخرى اعتماد الروبية والعملات المحلية في المعاملات البينية. ومن شأن اعتماد عملات أخرى في تجارة النفط والغاز والسلع الإستراتيجية الأخرى كالمعادن النادرة أن يحد كثيرا من هيمنة الدولار على الأسواق العالمية. وفي السياق ذاته، تسعى دول المجموعة إلى إقرار نظام دفع وتحويلات مالية جديد متعدد الأطراف والجنسيات يشكل بديلا لنظام الدفع الأميركي "سويفت". ويشرف البنك المركزي الروسي على مشاورات مع دول بريكس لتطوير نظام دفع مماثل، كما طوّرت الصين نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك "CIPS" ليكون بديلا لنظام سويفت من أجل توفير شبكة آمنة وموحدة لإرسال واستقبال المعلومات حول المعاملات المالية. ورغم أن تفكيك أدوات الهيمنة المالية الأميركية والغربية بتداعياتها الاقتصادية والسياسية يبدو أمرا صعبا على المدى القصير، فإن الخطوات المضادة التي تنتهجها المجموعة ستحدث أثرا عميقا على المدى المتوسط والطويل إذا استمر عمل الكتلة بالزخم ذاته. وبينما يقلل البعض من أهمية تكتل بريكس انطلاقا من التناقضات ومواطن الضعف التي تحملها المجموعة، يرى محللون ومتابعون أن القمة القادمة في جوهانسبرغ "لديها القدرة على صنع التاريخ"، تبعا للقدرات الاقتصادية والديموغرافية والطبيعية الهائلة التي تملكها، ومن التحول الواضح في موازين القوى العالمية، التي عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقوله: "انتهت فترة ما بعد الحرب الباردة. يجري الانتقال إلى نظام عالمي جديد".
مصطفى البرغوثي
أسامة رشيد
مصطفى ناجي
عبد الرحمن الراشد
عمر سمير