واي إن إن - حسان الأسود
حدّدت محكمة العدل الدولية اليوم الخميس، 11 يناير/ كانون الثاني 2024، موعد الجلسة الأولى للنظر في دعوى الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين في غزّة. تقدّمت جنوب أفريقيا بطلب للمحكمة لإقامة هذه الدعوى، باعتبارها إحدى الدول الموقّعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/12/1948، وأصبحت نافذة اعتبارًا من 12/1/1951. وقدّمت كلٌ من الأردن وماليزيا وتركيا ومنظمّة التعاون الإسلامي دعمها جنوب أفريقيا في الدعوى. لم يكن مستغربًا أن تتصدّى لرفع الدعوى تلك الدولة التي عانى شعبها من نظام الفصل العنصري عقودًا عدّة، حيث بدأ فعليًا من عام 1917 وتم تثبيته قانونيًا منذ العام 1948 واستمر حتى إلغائه عام 1993، لأنّ التاريخ الطويل والإرث النضالي الكبير الذي يميّز هذه الدولة وشعبها في مواجهة سياسة الاستعمار الاستيطاني، يرفعان مستوى الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية لدى الشعب وقادته، فكانت أعلى الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين منذ الأيام الأولى للحرب على غزّة تصدح من هناك. لكنّ المستغرب، بكل تأكيدٍ، ألا تبادر إلى ذلك أيّ من الدول العربية التي تربطها بفلسطين وأهلها أكثر من وشائج الإنسانية، فهناك وحدةٌ لا انفصام لعراها بين شعوب هذه البلدان والشعب الفلسطيني، على مستوى القومية والدين واللغة والتاريخ المشترك والعادات والتقاليد وعشرات الروابط الأخرى! تُعرّفُ المادة الثانية من المعاهدة جريمة الإبادة الجماعية بأنها التدمير المقصود الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عرقية أو عنصرية أو دينية. وتذكُر الحالات التي تقع فيها الأفعال المكوّنة للجريمة وهي: قتل أعضاء الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، نقل أطفال هذه الجماعة عُنوة إلى جماعة أخرى. ... وباستعراض هذه الأفعال يتّضح حتى لغير المختصّين بالقانون الجنائي الدولي انطباق الأفعال الثلاثة الأولى المنصوص عليها في هذه المادّة على ما تقوم به إسرائيل بحق أهل غزّة. تنصّ المادّة الثالثة من المعاهدة على معاقبة مرتكبي الإبادة الجماعية والمتآمرين على ارتكابها والقائمين بالتحريض المباشر والعلني على ذلك والمشتركين في الجرم وعلى محاولة ارتكابه أيضًا. قد ينطبق هذا النص على دولٍ كثيرة ساندت إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب، لكن ليس من المحتمل أن تدين المحكمة الولايات المتحدة أو ألمانيا أو فرنسا أو غيرها لأسباب كثيرة، لعّل أولها عدم ذكرها في نصّ الطلب المقدّمم من جنوب أفريقيا، كما يضاف إلى ذلك بكل تأكيدٍ عدم رغبة المحكمة بزيادة الضغوط عليها نظرًا إلى حساسية الموقف. معلومٌ أنّ محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، وهو الذي يتولى الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول والمنظمّات الدولية طبقًا لأحكام القانون الدولي، كما يتولّى أيضًا تقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة، فمحكمة العدل الدولية تختصّ بالنظر بهذه المسائل استنادًا إلى مبدأ عدم امتثال الدول لالتزاماتها التعاقدية بموجب المعاهدات الدولية تجاه الدول الأخرى، ولا تنظر بها استنادًا لمبدأ المسؤولية الجنائية الفردية الذي هو حجر الأساس في نظام العدالة الجنائية العادية والدولية. يستتبع هذا عدة نتائج مباشرة، وأهمها أنّ الحكم إن صدر ضد إسرائيل فإنّه لن يطاول أفرادًا محدّدين بعينهم، بل سيطاول إسرائيل بكليّتها. بناءً على ما سبق، لا يمكن ملاحقة قادة إسرائيل السياسيين أو العسكريين أو الأمنيين أمام هذه المحكمة، ولن تصدُر بحقهم عقوبات جزائية مثل الحبس، ولن تجرّد بحقهم مذكّرات اعتقال دولية، لكن الحكم سيكون مقدّمة لهذا كله أمام محكمة الجنايات الدولية إن أمكن تحريك الدعوى أمامها مستقبلًا. لكن، ماذا يعني هذا الأمر من الناحية العملية، وهل سيكون حكم محكمة العدل الدولية مُلزمًا لإسرائيل، وما تأثيره على الحرب، وهل ستمتدّ آثاره لتطاول الدول الحليفة لإسرائيل، وبأيّ كيفية؟ يصدُر حكم محكمة العدل الدولية مبرمًا، فلا سبيل للطعن به، وهو ملزمٌ للدولة التي يصدر بحقها ولغيرها، ويمكن للمحكمة، قبل إصدار الحكم، أن تتخذ قرارات عاجلة عديدة من شأنها وقف الجريمة، وفي حال عدم الامتثال لأوامر المحكمة وقراراتها يمكن للدولة الخصم اللجوء إلى مجلس الأمن، لطلب اتخاذ القرارات التنفيذية الرادعة. أمّا كيف سيؤثر الحكم على مسار الحرب فهو أمرٌ معقدٌ جدًا، فقد لا تمتثل إسرائيل لأمر المحكمة، وهذا شبه مفروغٍ منه، وقد سبق وأن أمرت المحكمة روسيا بوقف حربها على أوكرانيا، ولم تمتثل روسيا. لكنّ وصمة ارتكاب جريمة الإبادة ستلاحق إسرائيل وكلّ من ينحاز إليها ويتبنّى روايتها ويدعمها سياسيًا وماليًا وبالسلاح والمعدّات والخبرات المختلفة. لن يكون من السهل على أيّة دولة، بما فيها الولايات المتحدة، أن توصم بارتكاب جريمة الإبادة من أعلى هيئة قضائية دولية مستقلّة. سيؤثر هذا الحكم على جميع مناحي العلاقة بين إسرائيل وداعميها، سيكون من الصعوبة بمكانٍ استعمال حقّ النقض خدمة لإسرائيل ضدّ أي قرار صادرٍ عن مجلس الأمن، كما سيكون على أي دولةٍ التفكير مليًا قبل الإقدام على تقديم الدعم التقني والمادي والاستخباراتي للجيش الإسرائيلي كما يحدُث الآن. خلاصة القول، لا يتوقّع أن توقف محكمة العدل الدولية إسرائيل عن غيّها وحربها العدوانية ضد الفلسطينيين، لكنها ستبني أساسًا قانونيًا وأخلاقيًا هائلًا يدعم الحقّ الفلسطيني بالوجود، سيكون للحكم أثر كبير في تعزيز السرديّة الفلسطينية وتظهير المظلوميّة التاريخية لفلسطين وأهلها، سيعزّز الحكم الموقف المدافع عن الحقوق الفلسطينية في كل العالم، وسيعرّي إسرائيل وحلفاءها أمام البشرية والتاريخ، وسيعيد للنضال الفلسطيني بعضَ ألقه، وسيكنس عنه بعض ما طاوله من تهم الإرهاب المفبركة. حدّدت محكمة العدل الدولية اليوم الخميس، 11 يناير/ كانون الثاني 2024، موعد الجلسة الأولى للنظر في دعوى الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين في غزّة. تقدّمت جنوب أفريقيا بطلب للمحكمة لإقامة هذه الدعوى، باعتبارها إحدى الدول الموقّعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/12/1948، وأصبحت نافذة اعتبارًا من 12/1/1951. وقدّمت كلٌ من الأردن وماليزيا وتركيا ومنظمّة التعاون الإسلامي دعمها جنوب أفريقيا في الدعوى. لم يكن مستغربًا أن تتصدّى لرفع الدعوى تلك الدولة التي عانى شعبها من نظام الفصل العنصري عقودًا عدّة، حيث بدأ فعليًا من عام 1917 وتم تثبيته قانونيًا منذ العام 1948 واستمر حتى إلغائه عام 1993، لأنّ التاريخ الطويل والإرث النضالي الكبير الذي يميّز هذه الدولة وشعبها في مواجهة سياسة الاستعمار الاستيطاني، يرفعان مستوى الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية لدى الشعب وقادته، فكانت أعلى الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين منذ الأيام الأولى للحرب على غزّة تصدح من هناك. لكنّ المستغرب، بكل تأكيدٍ، ألا تبادر إلى ذلك أيّ من الدول العربية التي تربطها بفلسطين وأهلها أكثر من وشائج الإنسانية، فهناك وحدةٌ لا انفصام لعراها بين شعوب هذه البلدان والشعب الفلسطيني، على مستوى القومية والدين واللغة والتاريخ المشترك والعادات والتقاليد وعشرات الروابط الأخرى! تُعرّفُ المادة الثانية من المعاهدة جريمة الإبادة الجماعية بأنها التدمير المقصود الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عرقية أو عنصرية أو دينية. وتذكُر الحالات التي تقع فيها الأفعال المكوّنة للجريمة وهي: قتل أعضاء الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، نقل أطفال هذه الجماعة عُنوة إلى جماعة أخرى. ... وباستعراض هذه الأفعال يتّضح حتى لغير المختصّين بالقانون الجنائي الدولي انطباق الأفعال الثلاثة الأولى المنصوص عليها في هذه المادّة على ما تقوم به إسرائيل بحق أهل غزّة. تنصّ المادّة الثالثة من المعاهدة على معاقبة مرتكبي الإبادة الجماعية والمتآمرين على ارتكابها والقائمين بالتحريض المباشر والعلني على ذلك والمشتركين في الجرم وعلى محاولة ارتكابه أيضًا. قد ينطبق هذا النص على دولٍ كثيرة ساندت إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب، لكن ليس من المحتمل أن تدين المحكمة الولايات المتحدة أو ألمانيا أو فرنسا أو غيرها لأسباب كثيرة، لعّل أولها عدم ذكرها في نصّ الطلب المقدّمم من جنوب أفريقيا، كما يضاف إلى ذلك بكل تأكيدٍ عدم رغبة المحكمة بزيادة الضغوط عليها نظرًا إلى حساسية الموقف. معلومٌ أنّ محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، وهو الذي يتولى الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول والمنظمّات الدولية طبقًا لأحكام القانون الدولي، كما يتولّى أيضًا تقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة، فمحكمة العدل الدولية تختصّ بالنظر بهذه المسائل استنادًا إلى مبدأ عدم امتثال الدول لالتزاماتها التعاقدية بموجب المعاهدات الدولية تجاه الدول الأخرى، ولا تنظر بها استنادًا لمبدأ المسؤولية الجنائية الفردية الذي هو حجر الأساس في نظام العدالة الجنائية العادية والدولية. يستتبع هذا عدة نتائج مباشرة، وأهمها أنّ الحكم إن صدر ضد إسرائيل فإنّه لن يطاول أفرادًا محدّدين بعينهم، بل سيطاول إسرائيل بكليّتها. بناءً على ما سبق، لا يمكن ملاحقة قادة إسرائيل السياسيين أو العسكريين أو الأمنيين أمام هذه المحكمة، ولن تصدُر بحقهم عقوبات جزائية مثل الحبس، ولن تجرّد بحقهم مذكّرات اعتقال دولية، لكن الحكم سيكون مقدّمة لهذا كله أمام محكمة الجنايات الدولية إن أمكن تحريك الدعوى أمامها مستقبلًا. لكن، ماذا يعني هذا الأمر من الناحية العملية، وهل سيكون حكم محكمة العدل الدولية مُلزمًا لإسرائيل، وما تأثيره على الحرب، وهل ستمتدّ آثاره لتطاول الدول الحليفة لإسرائيل، وبأيّ كيفية؟ يصدُر حكم محكمة العدل الدولية مبرمًا، فلا سبيل للطعن به، وهو ملزمٌ للدولة التي يصدر بحقها ولغيرها، ويمكن للمحكمة، قبل إصدار الحكم، أن تتخذ قرارات عاجلة عديدة من شأنها وقف الجريمة، وفي حال عدم الامتثال لأوامر المحكمة وقراراتها يمكن للدولة الخصم اللجوء إلى مجلس الأمن، لطلب اتخاذ القرارات التنفيذية الرادعة. أمّا كيف سيؤثر الحكم على مسار الحرب فهو أمرٌ معقدٌ جدًا، فقد لا تمتثل إسرائيل لأمر المحكمة، وهذا شبه مفروغٍ منه، وقد سبق وأن أمرت المحكمة روسيا بوقف حربها على أوكرانيا، ولم تمتثل روسيا. لكنّ وصمة ارتكاب جريمة الإبادة ستلاحق إسرائيل وكلّ من ينحاز إليها ويتبنّى روايتها ويدعمها سياسيًا وماليًا وبالسلاح والمعدّات والخبرات المختلفة. لن يكون من السهل على أيّة دولة، بما فيها الولايات المتحدة، أن توصم بارتكاب جريمة الإبادة من أعلى هيئة قضائية دولية مستقلّة. سيؤثر هذا الحكم على جميع مناحي العلاقة بين إسرائيل وداعميها، سيكون من الصعوبة بمكانٍ استعمال حقّ النقض خدمة لإسرائيل ضدّ أي قرار صادرٍ عن مجلس الأمن، كما سيكون على أي دولةٍ التفكير مليًا قبل الإقدام على تقديم الدعم التقني والمادي والاستخباراتي للجيش الإسرائيلي كما يحدُث الآن. خلاصة القول، لا يتوقّع أن توقف محكمة العدل الدولية إسرائيل عن غيّها وحربها العدوانية ضد الفلسطينيين، لكنها ستبني أساسًا قانونيًا وأخلاقيًا هائلًا يدعم الحقّ الفلسطيني بالوجود، سيكون للحكم أثر كبير في تعزيز السرديّة الفلسطينية وتظهير المظلوميّة التاريخية لفلسطين وأهلها، سيعزّز الحكم الموقف المدافع عن الحقوق الفلسطينية في كل العالم، وسيعرّي إسرائيل وحلفاءها أمام البشرية والتاريخ، وسيعيد للنضال الفلسطيني بعضَ ألقه، وسيكنس عنه بعض ما طاوله من تهم الإرهاب المفبركة. *عن العربي الجديد
أسامة رشيد
مصطفى ناجي
عبد الرحمن الراشد
عمر سمير
بشرى المقطري