حق الدفاع عن النفس.. مفهومه وشروطه في القانون الدولي

28-01-2024 10:29:36    مشاهدات178

واي إن إن - متابعات

يشير مفهوم الحق في الدفاع عن النفس إلى الحق القانوني والأخلاقي للفرد أو الدولة في استخدام القوة أو التصرف لحماية النفس أو الآخرين من أي تهديد أو خطر يهدد السلامة أو الحياة، ويعد جزءا من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها عالميا.
ووفقا للقوانين والتشريعات في مختلف البلدان، يعتبر الحق في الدفاع عن النفس مبررا قانونيا لاستخدام القوة أو التصرف في حالات الدفاع الشخصي الضروري، ويفترض أن يكون الرد على التهديد أو الخطر متناسبا مع حجم التهديد، وأن يكون تصرف الفرد لازما ومعقولا، بحيث يكون هذا الاستخدام للقوة ضمن حدود الضرورة والمناسبة، ويجب تجنب تجاوز الحدود المشروعة واستخدام القوة الزائدة أو غير المبررة.
وتختلف قوانين الدفاع عن النفس من بلد إلى آخر، وقد يتم تحديد حدود ومعايير خاصة للدفاع عن النفس في النظام القانوني لكل بلد، ويتم تقييم الوضع والتصرف بناء على ظروف الهجوم ومدى تهديد الخطر للحياة أو السلامة الشخصية.
ويعدّ الدفاع عن النفس أمرا استثنائيا يلجأ له في حالات الضرورة والتهديد الفعلي للحياة أو السلامة الشخصية، مع تجنب استخدام القوة الزائدة أو التصرفات التي تتعارض مع القانون.
نشأة المفهوم
كان الإنسان البدائي في حاجة للدفاع عن نفسه وعائلته وممتلكاته أمام أهوال الطبيعة من حوله، خصوصا تلك المتمثلة في الحيوانات المفترسة وما تمثله له من صراع على الحياة وعلى البقاء.
وبذلك يكون هذا الإنسان الأول هو من وضع التقنيات الأولى للقتال وفقا لاختلاف البيئات من حوله، بما يتناسب مع الظروف (المناخية والبيئية والطبيعية..)؛ فلا يمكن للشخص أن يحارب بالطريقة نفسها في جميع الأحوال صيفا وشتاء.
وقد عُثر في الهند على لوحات فخارية وجداريات يعود تاريخها إلى ما بين 1500 و900 قبل الميلاد تصور تقنيات القتال باستخدام القبضات والقدمين.
وطوّرت ديانة الفيدا (المعروفة أيضا بالفيدية أو الهندوسية القديمة) فنون الدفاع عن النفس، وانتشرت لدى معظم الشعوب الناطقة بالهندوآرية في الهند القديمة. ووُجدت أيضا هذه الأفكار والممارسات في النصوص الفيدية، وكانت من المؤثرات الرئيسية التي شكّلت الهندوسية المعاصرة.
كما أن الصين عرفت نشأة فن "الكونغ فو" من آلاف السنين في معبد شاولين نتيجة لظروف كانت تمر بها البلاد من سرقات وظلم واستبداد، مما دفع الرهبان في معبد شاولين إلى وضع البذرة الأولى لفن قتالي هدفه الدفاع عن النفس، فبدؤوا يلاحظون كيفية قتال الحيوانات فيما بينها وبدؤوا يطبقونها ويطورونها حتى صارت "الكونغ فو" كما تعرف الآن.
ميثاق الأمم المتحدة
حظر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة في العلاقات بين الدول في مادته 51، التي توضح الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة؛ وذلك إلى أن يتم اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن العالميين.
جاء القانون عقب انتهاء الحربين العالميتين الأولى والثانية وما تركته وراءهما، وحرم ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية، إلا أنه في ظل الواقع الدولي المعاصر وطبيعة العلاقات وتعدد المصالح الدولية لا يمكن القول بعدم حدوث نزاعات مسلحة، أو قيام حروب بين الدول أو استخدام غير مشروع للقوة.
ولهذا، فقد أجاز الميثاق استخدام القوة المسلحة بصورة استثنائية وفي حالات محددة، أبرزها على الإطلاق حالة الدفاع عن النفس؛ فالأصل أن استخدام القوة وفق ميثاق الأمم المتحدة محصور بمجلس الأمن الدولي، فهو صاحب الاختصاص في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
بيد أنه في حالات قد لا يسعف الوقت مجلس الأمن في اتخاذ التدابير اللازمة لوقف عدوان مسلح تتعرض له إحدى الدول، لذا جُعِل من حق تلك الدولة استخدام القوة في صد العدوان والدفاع عن كيانها واستقلالها، بشرط أن يكون استخدامها للقوة في هذه الحالة استخداما مشروعا وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة؛ سواء تصدت للعدوان منفردة أو بمساعدة غيرها من الدول المتحالفة معها.

يُكمل هذا الحق في الدفاع الفردي عن النفس نظام الأمن الجماعي الذي وضعه ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، والذي يجيز لمجلس الأمن وحده استخدام القوات المسلحة الدولية عند فشل الآليات التي تعمل من أجل التوصّل إلى حل سلمي للخلافات التي تنشب بين الدول وللتهديد الذي يتعرّض له السلام والأمن الدوليان.
الشروط حسب قانون الأمم المتحدة :
هذا الميثاق الذي سمح به وأقرته الأمم المتحدة قيّدته بعدة شروط، أهمها:
أن يكون الدفاع عن النفس رد فعلٍ على هجوم مسلح، وأن يكون هذا الهجوم المسلح من طرف دولة أو من دول.
أما الهجوم المسلح من جماعات المقاومة فلا يعطي لرد الفعل صفة الدفاع الشرعي.
أن يكون الهجوم مباغتا.
أن تحاول الدولة المعتدى عليها صد الهجوم بأقل قدر من القوة.
أن يكون الرد متناسبا مع الهجوم وبالقدر اللازم فقط لصد الهجوم، وبالطبع فإن الرد يجب أن يتفادى قدر المستطاع استخدام القوة المسلحة.
أن يكون الرد مؤقتا ريثما يتولى مجلس الأمن معالجة الموقف.
ضرورة احترام قواعد القانون الدولي. فحق الدفاع عن النفس لا يشمل استخدام الطائرات أو القنابل الحارقة ضد المدنيين، ولا يشمل حرق المستشفيات ودور العبادة، كما لا يشمل إجراءات الإبادة والتصريح بهذه النية بإحكام الحصار ومنع مقومات الحياة، خاصة الماء والكهرباء والدواء والإيواء، كما لا يشمل هذا الحق الإعلان عن خطة للقضاء نهائيا على المهاجم.
وتستثنى مقاومة الاستعمار من كل هذا؛ فالمقاومة تظل مشروعة في القانون الدولي إذا قامت بعمليات ضد معسكرات الجيوش الغازية والمستعمِرة، فالاستعمار والاحتلال في القانون الدولي هو اعتداء عسكري مؤقت محكوم عليه بالزوال قانونا.
وبالتالي فالمستعمر يظل غاصبا لا يحق له حق الدفاع عن النفس، وإلا كان هذا الحق تكريسا لعمل غير مشروع.
الدفاع عن النفس في الإسلام
وضع الإسلام معيارا وقيودا لاستخدام القوة من أجل الدفاع الشرعي؛ أخذ ميثاق الأمم المتحدة بروحه كما يتبيّن من دراسة مفهوم هذا الميثاق الأممي فيما يخص مبدأ الدفاع عن النفس.
وأوجبت الشريعة الإسلامية "الجهاد" لصد العدوان الخارجي عن البلاد الإسلامية، ولرفع الظلم والفتنة عن المسلمين المقيمين في البلاد الإسلامية لكفالة حرية الدعوة وحرية الاعتقاد بها.
وقد تضمن القرآن الكريم عدة آيات تحدثت عن حق الدولة المسلمة في الدفاع عن نفسها في حالة وقوع عدوان خارجي عليها، منها قوله الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحج: 39-40].
ووفق الآية السابقة، يجب على المسلمين استخدام القوة دفاعا عن النفس وعن عقيدتهم ضد العدوان الذي يستهدف إرجاعهم عن دينهم بعدما أخرجوا من ديارهم بغير حق، وما ذلك إلا تطبيق لحق الدفاع عن النفس من أجل رد العدوان الخارجي عن البلاد الإسلامية.
أما إذا وقع الاعتداء من إحدى الدول على حرية العقيدة الإسلامية واضطهد فيها المسلمون بسبب دينهم، سواء كانوا رعاياها أو أجانب عنها، اعتبرت دولة معتدية بمقتضى أحكام الشرع الإسلامي، مما يستوجب منعها عن هذا العدوان، إذ قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) [سورة النساء: 75].

يتبيّن من هذا النص أنه يجوز للدولة الإسلامية استخدام القوة دفاعا عن المضطهدين في إقليم دولة أخرى، ولو كانوا رعايا للدولة التي تعتدي عليهم، بشرط ألا تكون هناك معاهدة دولية تمنعها من ذلك: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) [الأنفال: 72]؛ وكان هذا قيدا آخر وضعه الإسلام على حق الدفاع عن النفس.
غير أن الجهاد ضد غير المسلمين ليس مطلقا، وإنما تقيده عدة قيود تجعل منه حرب دفاع عن النفس. فقد اشترطت الشريعة الإسلامية استخدام القوة ضد من يستخدمها: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190].
كما نهت عن أن تكون المظاهر غير الودية والإساءات الأدبية ومقاومة الأماني المشروعة ذريعة للعدوان لقوله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]. وهذه الآية تقرر قاعدة استقر عليها العرف الدولي خلال القرن التاسع عشر، وهي قاعدة تناسب إجراءات الدفاع الشرعي مع أعمال العدوان المسببة لها.
وأما فيما يخص دفاع الفرد عن نفسه، فقد جاء في صحيح مسلم وغيره أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
وجاء كذلك عن أبي الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

إعلان
تابعنا
ملفات