واي إن إن - متابعات
وسط تكثيف الجهود الأمنية والعسكرية في عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي على مناطق شمال الضفة الغربية، جاءت عملية إطلاق النار قرب حاجز ترقوميا غربي الخليل، جنوبي الضفة، والتي قُتل فيها 3 أفراد من عناصر الشرطة الإسرائيلية؛ لتؤكد فشل السياسات الأمنية الإسرائيلية، لا سيما أنها أعقبت عملية مزدوجة أخرى وقعت مساء يوم الجمعة الماضي، في محطة وقود داخل تجمّع غوش عتصيون الاستيطاني على طريق 60 الالتفافي، وفي مستوطنة كرمي تسور شمال الخليل. وقوع ثلاث عمليات خلال 36 ساعة، في مربّعات أمنية إسرائيلية توجد فيها كثافة شرطية، وإعداد مسبق من تصنيع عبوات متفجّرة، أو رصد أماكن أمنية، وإطلاق النار ثم القدرة على الانسحاب من المكان، كما جرى في عملية اليوم قرب حاجز ترقوميا، يوحي بأن العمليات تتخطى الطابع الفردي، إلى الطابع التنظيمي القائم على التخطيط المسبق. ذلك يعني أن المقاومة بدأت استخدام تكتيك قائم على تخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي في شمال الضفة، عبر تنفيذ عمليات في جنوب الضفة، وبالتالي يصبح لزامًا على قوات الأمن الإسرائيلية أن تعيد توزيع انتشارها في مختلف مناطق الضفة، وألا تتمركز في جنين وطولكرم وطوباس فقط، وهذا بالضرورة يخفف الضغط الميداني عن محافظات الشمال، وقد يعيق مخططات الحكومة الإسرائيلية بإخلاء مخيّمات جنين وطولكرم التي تواجه حصارًا طاردًا، وفق ما يقول الباحث السياسي من الخليل أشرف بدر، في حديث مع "العربي الجديد". وبحسب بدر، فإن العملية تعتبر شكلًا من أشكال الفشل الأمني الاستخباراتي، لاعتبارات أهمها: "أنها جاءت في ظلّ حصار مطبق على المحافظة (منذ عملية شمال الخليل)، وكونها جاءت وسط ارتفاع مستوى التحذيرات الأمنية التي كانت واضحة عبر الإعلام الإسرائيلي بأن الأمور تتجه إلى التصعيد في الضفة وجنوبها، ما يستلزم رفع حالة التأهب. ولكن ذلك كلّه لم يمنع وقوع العملية، رغم العلم المسبق بأن المشهد ذاهب باتجاه التصعيد ولم يتدارك الإسرائيلي لإيقافه، وهذا بحدّ ذاته الفشل الأمني". وجاءت العملية في منطقة أمنية تعتبر المدخل الذي يمرّ منه المستوطنون والعمّال الفلسطينيون إلى أراضي الداخل المحتل "حاجز ترقوميا"، ويكون فيها بشكل دائم عناصر شرطية إسرائيلية، بالإضافة إلى عشرات الآليات العسكرية وأنظمة مراقبة وكاميرات على الطرق المؤدية إلى الحاجز، كون المنطقة تقع بين مستوطنتي "أدورا وتيلم" المقامتين على أراضي الفلسطينيين بجانب بلدات "ترقوميا وإذنا". وحسب بدر، فإن ما يميز العملية أنها "وُجّهت نحو هدفٍ ذي قيمة، بمعنى أنها استطاعت إيقاع الخسائر في صفوف الإسرائيليين، لا سيما وأنها في مربع أمني تتردد فيه مركبات المستوطنين بشكل مستمر، ويحيط الحاجز بمستوطنتين، ما يعني أنها منطقة لها احتياطات أمنية خاصة، وفيها دوريّات شرطة لا تفارق المكان. وبالمحصلة أن يتم استهداف القوة الأمنية التي مهمتها توفير الأمن للمستوطنين، ذلك يعني أن القوة الشرطية هي من باتت بحاجة للأمن. ومن ناحية أخرى، يفقد المستوطن شعوره بالأمن في هذا المكان، وهذا التوقيت لا يستهان به". وفور وقوع حادثة إطلاق النار، وصل وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير (الذي يستوطن في كريات أربعة بالخليل) إلى موقع العملية مرتديًا سترة واقية، وأصدر تصريحات تهديدية للفلسطينيين أشار فيها إلى "ضرورة إقرار عقوبة إعدام الأسرى الفلسطينيين"، وتصريحات أخرى موجّهة لوزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، حيث قال: "على غالانت زيادة نشر الحواجز في الضفة الغربية وتقييد حركة الفلسطينيين، لأن حق الحياة للإسرائيليين أهم من حق تنقّل الفلسطينيين". ويرى بدر أن بن غفير يتبنى سياسة الحضور لموقع العملية وهذا ليس من طبيعة عمله، غير أنه يسعى للظهور حريصًا على الأمن الإسرائيلي، وأنه غير خائف، والهدف الأساسي هو البقاء تحت الأضواء، وإلقاء اللوم على خصومه السياسيين في الحكومة الإسرائيلية. ويعتقد بدر أن تكرار عمليات مشابهة صادرة من الخليل، وازدياد وتيرة إطلاق النار، يوحي بفشل "سياسة التدجين الاقتصادي" الذي عمل عليها الاحتلال منذ سنوات في المحافظة. ويشير بدر إلى أن "العملية ليست بحدّ ذاتها ما يشكّل حافزًا لعمليات أخرى، بقدر ما أن الحافز الأساسي هو ما يجري في قطاع غزة، ومحافظات شمال الضفة، وسط تساؤلات تجيب عليها الأيام، إن كانت التنظيمات الفلسطينية قادرة على توفير البيئة اللوجستية الداعمة لهذه الحالة". ورغم الإجراءات الأمنية المشدّدة التي يتّبعها جيش الاحتلال في التعامل مع مداخل ومخارج محافظة الخليل، إلا أن العملية وقعت في منطقة تحاذي وجود أكثر من ألف مستوطن في مستوطنتي "أدورا وتيلم". ومن جانب آخر باعتبارها منطقة عبور إلى أراضي الداخل الفلسطيني المحتل، أي بجانب جدار الفصل العنصري، ما يوحي بأن عملية انسحاب المنفّذين من موقع العملية صعب، نظرًا للإجراءات الأمنية وانتشار الحواجز الإسرائيلية بين الطرق المؤدية إلى الخليل من بلدات ترقوميا وإذنا وبيت أولا (البلدات الأقرب لموقع العملية). وفي أعقاب العملية، شرعت قوات الاحتلال في إغلاق كلّ المداخل الرئيسية والفرعية الواصلة بين بلدات إذنا، وترقوميا، وبيت أولا، ومدينتي الخليل ودورا، بمعنى قطع أوصال الطرق كافة بين الخط الشمالي الغربي والجنوبي في محافظة الخليل، وذلك بحثًا عن منفذ العملية، وفق ما يقول مسؤول الإعلام في بلدية إذنا، عبد الرحمن طميزي، خلال حديث مع "العربي الجديد". اللافت، وفق طميزي، هو أن قوات الاحتلال تركّز نشاطها العسكري في النواحي الشمالية الغربية للبلدة "منطقتي جورة سالم، وواد عزيز" حيث يُجري الاحتلال منذ وقوع إطلاق النار، عملية تمشيط للمنطقة، وتفتيش للمنازل والمركبات، وسط تحليق مكثّف لطائرات الاستطلاع، وطائرات الهليكوبتر. وفي هذه الأثناء، أصبحت محافظة الخليل مغلقة من النواحي كافة الشمالية عند المدخل الرئيسي (رأس الجورة)، والجنوبية (دوار حاجاي) والغربية عند مدخلي فرش الهوى، وحاجز ترقوميا، والشرقية الفرعية من بيت عينون إلى مدخل قلقس والفحص.
مصطفى البرغوثي
أسامة رشيد
مصطفى ناجي
عبد الرحمن الراشد
عمر سمير