خيارات جماعة الحوثي بعد اغتيال نصر الله

واي إن إن - بشرى المقطري

تختبر القوى المناهضة لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط واقعاً جديداً، وذلك بعد الهجمات الإسرائيلية التي طاولت حزب الله ومقتل الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ومعه عدد مهمّ من قياداته. ومع أنّه لا يمكن التكهّن بنتائج هذه التطوّرات على مستوى الإقليم، فإنّ استهداف حزب الله سيؤثّر في الفاعلين الآخرين، وفي آليات عملهم، وأيضاً في طبيعة التحدّيات التي قد يواجهونها في معركة إسناد المقاومتين، اللبنانية والفلسطينية.
من نواحٍ عديدة، أعادت حرب الكيان الإسرائيلي ضدّ حزب الله تشكيل المعادلة الأمنية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، بدءاً بتغيير موازين القوى إلى إيجاد واقع جديد يمنح إسرائيل زمام إدارة الصراع وفق شروط القوة، التي لا تحفل كالعادة بالقانون الدولي، ولا بقتل المدنيين الأبرياء، سواء في فلسطين أو في لبنان، وإذا كانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد ظلّت، على مدى عام، هدفاً للكيان الإسرائيلي، فإنّ قتل الأخير الأمين العام لحزب الله، واستهداف البنية العسكرية والأمنية للحزب، يُلقيان بثقلهما على قوى محور المقاومة في المنطقة، فإلى جانب إرباك التحالف السياسي والعسكري، الذي يُشكّل حزب الله محوره، والقائم على استراتيجية وحدة ساحات المقاومة وتنسيق عملياتها، بحيث قد يُؤدّي إلى عزلها أو إضعافها، فإنّ شلّ حزب الله قد يُعطل آليات الدعم العسكري والاستخباراتي الذي تتلقّاه قوى محور المقاومة من حزب الله، ومن إيران بالطبع، ومن ثمّ تضرّر شبكات إمدادها المباشرة وغير المباشرة، كذلك فإن سطوة الانتصار وقتل حسن نصر الله قد تدفعان الكيان الإسرائيلي إلى جعل قوى المحور الأخرى هدفاً له، إلى جانب وسائل دعم القوى الغربية إسرائيل، التي قد تعني رفع مستويات الرقابة، وربّما الردع ضدّ الفاعلين في جبهات الإسناد من قوى محور المقاومة، ومنها جماعة الحوثي في اليمن.
يضطلع حزب الله بدور محوري في إسناد جماعة الحوثي وتنمية قدراتها العسكرية، فمع امتلاكها مخازن الجيش اليمني، التي استولت عليها، وعملت على تطويرها طوال عقد، بما في ذلك الغنائم التي تحصّلت عليها من خصومها المحلّيين والإقليميين، إبّان سنوات الحرب، وأيضاً اعتمادها على شبكات تهريب السلاح المتنوّعة، فإنّ الإمدادات العابرة للحدود ظلّت تُشكّل قوام فاعلية قوّتها العسكرية، التي يُمثّل حزب الله الحليف الأقوى لإيران حلقةَ الوصل الرئيسة، بدءاً بتزويدها بالأسلحة النوعية من الصواريخ والمُسيّرات ونقلها عبر وسطاء متنوعين إلى الجماعة، إلى تدريب مقاتليها على خوض حروب غير تقليدية، وتطوير مهاراتهم في التقنيات العسكرية والتصنيع المحلّي، إضافةً إلى انخراط خبراء حزب الله في تنسيق العمليات البحرية للجماعة، وهو ما خلص إليه آخر تقرير لخبراء الأمم المتّحدة في تقصّيه العلائقية العسكرية بين الجماعة وحزب الله وإيران. ومن ثمّ، فإنّ اغتيال الأمين العام لحزب الله، والخسائر العسكرية التي مُني بها الحزب، قد يشلّان مركزه العسكري وسيطاً لإيران في دعم جماعة الحوثي وإمددادها بالأسلحة، وبالتالي، احتمالية تضرّر أهمّ شبكات تمويلها العسكرية على مستوى الإقليم، ما يعني فرضَ واقعٍ جديد على الجماعة، يتمثّل بالبحث عن بدائل إضافية لضمان مقدرتها على الاستمرار في خوض عملياتها البحرية.
ومن جهة ثانية، ضرب حزب الله، واستهداف رأسه، ينشئ فراغاً في إدارة تحالف معسكر محور المقاومة وفي تنسيق عملياتها العسكرية واللوجستية جبهةَ إسناد للمقاومتَين الفلسطينية واللبنانية، كذلك فإنّ مقتل قيادات الصفّ الأول في حزب الله من خبراء الصواريخ قد يفرض على الجماعة عبئاً عسكرياً وأمنياً جديداً جرّاء فقدانها مركزاً عملياتياً مهمّاً إلى جانب فقدان فرصة تدريب مقاتليها. ينطبق ذلك أيضاً على الإضرار بشبكة التمويل المالي للجماعة، إضافةً إلى الوقت الذي يحتاجه حزب الله للملمة صفوفه بعد مقتل زعيمه، ما يعني إرباكاً إضافياً للجماعة. ومن جهة ثالثة، ومع حرص إيران على تبنّي استراتيجية تحويل وكلائها حاجزاً يحميها من أيّ هجوم إسرائيلي، فإنّ مقتل الأمين العام لحزب الله (أهم حلفائها)، يمثّل ضربةً عسكرية وسياسية لها، بما في ذلك خسارتها عدداً من قادة الحرس الثوري في الهجمات الإسرائيلي على سورية والعراق ولبنان، ما يُعطّل فاعلية الحرس الثوري الإيراني في تنسيق العمليات لقوى محور المقاومة، ومنها جماعة الحوثي، كذلك فإنّ النتائج المترتّبة عن الهجمات الإسرائيلية ضدّ حزب الله، بما في ذلك إضعافه، تمثّلت بعزل ساحات المقاومة عن بعضها، وإيجاد تحدّيات لكلّ جبهة بحالها، ما قد يضعف جبهات الإسناد الثانوية، ومنها جبهة المعارك البحرية التي تقودها جماعة الحوثي، ومن جهة رابعة، ومع حرص أميركا وبريطانيا على حماية حليفها الإسرائيلي من أيّ تهديدات مُحتملة بعد مقتل زعيم حزب الله، فإنّها ستكثّف وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، الذي يعني رفع مستوى الرقابة العسكرية والأمنية على الممرات المائية، التي تشكّل مسرحاً تقليدياً لعمليات الجماعة، وأيضاً تشبيك تنسيق عالي المستوى مع الدول المُطلّة على البحر الأحمر، فضلاً (وهو الأكثر أهمّية) عن الوسائل التي قد يلجأ إليها الكيان الإسرائيلي في الردّ على هجمات جماعة الحوثي، خصوصاً بعد استعادته قوّة الردع ضدّ حزب الله وإيران، ومن ثمّ قوى محور المقاومة.
إلى حدّ كبير، عكست معركة إسناد قوى محور المقاومة لحزب الله حالةَ الضعف والإرباك وعدم الجاهزية، فعلى مدى أسابيع ظلّ حزب الله يدفع ثمن معركة غير متكافئة مع إسرائيل، ويفقد مقاتليه، فيما ظلّت قوى محور المقاومة تترقّب نتائج المعركة، وإن قامت بعمليات لإسناد حزب الله. وبالنسبة إلى جماعة الحوثي، دخلت معركة إسناد حزب الله متأخرةً باستهداف مدينة يافا، وعسقلان، إضافة إلى تنفيذ عمليتَين في البحر الأحمر استهدفت مُدمِّرات أميركية، وذلك في سياق ما سمّته الجماعة "المرحلة الخامسة من التصعيد انتصاراً للمقاومة الفلسطينية واللبنانية"، وتأكيداً لاستراتيجيتها في "وحدة الساحات"، بيد أنّ هجماتها لم تُسهم في تخفيف الضغط على حزب الله. وبعد مقتل حسن نصر الله، الذي عمّق شللَ محور المقاومة، توعّد زعيم جماعة الحوثي بالثأر لمقلته، وتعهَّد بدعم المقاومة في لبنان وفلسطين إلى جانب الحداد الرسمي، تبعه إعلان الجماعة تنفيذَ عمليةٍ عسكريةٍ طاولت مطار بن غوريون، أعقبه استهدافُ إسرائيل مدينة الحديدة بعدة غارات، ورأس عيسى ومحطة كهرباء الحالي والكثيب، بالتنسيق مع القيادة الوسطى للجيش الأميركي، ما قد يضاعف الخسائر على الجماعة، فإذا كان استهداف إسرائيل لحزب الله وتقويض بنيته العسكرية والأمنية، بما في ذلك قتل زعيمه، أكّدا تفوق إسرائيل العسكري على أهمّ قوى محور المقاومة، فإنّه شكّل انكشافاً سياسياً وأخلاقياً لإيران، ومزاعمها في إسناد حلفائها، فيما هي تضحي بهم، من إسماعيل هنيّة، إلى حسن نصر الله. وفي بيئة الحرب في اليمن، وتعدّد الفاعلين، فإنّ الجماعة ستكون الطرف الخاسر إن لم تدرك حقيقة التحوّلات في المنطقة، التي تعني، في ضوء حجم الخسائر التي مني بها حزب الله، ضربةً قاتلةً للجماعة.
مع صعوبة التكهّن بخيارات قوى محور المقاومة في هذه المرحلة، فإنّ جماعة الحوثي والقوى الأخرى في معسكر المقاومة قد تظلّ محكومة بنتائج تطوّرات اغتيال الأمين العام لحزب الله، والواقع الجديد الذي سيشكّله، والوسائل التي قد يلجأ إليها الفاعلون في إدارة الصراع في المنطقة، من إسرائيل وحلفائها، إلى إيران ومعسكر قوى المقاومة، ومن ثمّ قد تستمرّ الجماعة في استراتيجية تنفيذ هجمات تستهدف السفن في الممرات المائية، إلى جانب تنفيذ ضربات تطاول العمق الإسرائيلي، سواء بمفردها أو بالتشارك مع فصائل في المقاومة، فيما قد تراهن الجماعة على تعضيد تحالفها مع معسكر المقاومة، من خلال نقل جزء من مقاتليها إلى الجبهة السورية والعراقية، للضغط على إسرائيل، وأيضاً لتثبيت مركزها في معسكر قوى محور المقاومة، إلى جانب تعويض تعطيل شبكة إمدادها من حزب الله بالاعتماد على شبكات تهريب الأسلحة من القرن الأفريقي عبر وسطاء متنوّعين، وأيضاً على سماسرة السلاح في الدول التي تنشط فيها إيران، وأيضاً محاولة الحصول على الدعم الروسي، وذلك من خلال إدارة تفاهمات مباشرة أو بوساطة إيران، إلّا أنّ هذا الخيار، وإن بات مطروحاً وممكناً في ضوء التوتّرات الجيوسياسية في المنطقة، فإنّه يظلّ مرهونا بتطوّرات الصراع الروسي في الجبهة الأوكرانية، وبمصالح روسيا، وأيضاً بالترتيبات التي ستلجأ إليها إيران بعد استهداف أكثر حلفائها أهمّية في المنطقة.

*عن العربي الجديد