قلب الأم وعين الكاميرا: ثلاث صحفيات أمهات ينقلن الواقع من غزة

08-10-2024 10:53:34    مشاهدات31

واي إن إن - متابعات

يواجه الصحفيون مخاطر شديدة أثناء ممارسة عملهم في أماكن النزاعات والحروب.
في غزة، تكلفة العمل الميداني للصحفي أحيانا تكون خسارة حياته، فمنذ بداية الحرب قُتل على الأقل 123 من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، 11 في المئة من النساء، بحسب لجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة أمريكية غير حكومية.
كما خسر صحفيون آخرون أفراداً من عائلاتهم، وكان أبرزهم مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح.
ورغم هذه المخاطر، استمرت العديد من الصحفيات في التغطية لمدة عام مع مواجهة تحديات مضاعفة، إذ يمارسن العمل الصحفي وفي الوقت نفسه يضطلعن بأدوارهن الأسرية المختلفة.
"لم يكن سهلا أبدا أن أكون أماً وصحفية وإنسانة ومواطنة، ليس سهلا أن أمارس جميع هذه المهام" هكذا تقول نور السويركي، مراسلة تليفزيون الشرق في قطاع غزة وأم لطفلين، وهي تشرح كيف حاولت التوفيق بين مسؤولياتها المهنية والعائلية خلال الحرب.
• وتقول نور: "العمل بهذه البيئة لم يكن سهلا أبدا، أولا على الصعيد الإنساني، أنا في النهاية مواطنة نازحة، أنا أم لطفلين، يجب علي الحفاظ على سلامة أولادي. كان توفير الغذاء والمياه وكل مستلزمات الحياة اليومية واحدا من أهم التحديات التي أواجهها، بالإضافة طبعا إلى التحديات المتعلقة بالمهنة مثل العمل في ظل نقص بعض اللوجستيات، ووجود عوائق أمنية، ومخاطر تتعلق بالسلامة والأداء المهني وكذلك صعوبة الوصول والتحقق من المعلومات خاصة مع انقطاع الاتصالات، وأيضا التنقل في بيئة خطيرة مثل قطاع غزة".
إجلاء الأطفال خارج غزة
نور وزوجها يعملان في الإعلام، ما يعني أنهما "في الميدان طوال الوقت" كما تقول نور. "اُضطريت لاتخاذ قرار صعب وهو إجلاء أولادي إلى القاهرة قبل إغلاق معبر رفح خوفا عليهم". استكملت نور عملها رفقة زوجها في غزة دون انقطاع وفي ظل كل الظروف.
"أنا كصحفية فلسطينية أشعر بالفخر أني كنت قادرة على ممارسة هذه المهنة لمدة عام كامل، في وقت كان عبء هذه المهمة بالكامل على الصحفيين الفلسطينيين حيث لم يوجد أي صحفي أجنبي في الميدان يعمل معنا، وهذا كان شرف لنا أن ننقل الرواية الفلسطينية الحقيقية وفي نفس الوقت أن نعمل بمهنية"، تقول نور بفخر.
وتتهم العديد من المنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية القوات الإسرائيلية باستهداف الصحفيين رغم ما يتمتعون به من حصانة بموجب القوانين الدولية.
فوفقا للقانون الدولي الإنساني يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح ماداموا لا يقومون بدور مباشر في الأعمال العدائية.
ويقول جوناثان داغر رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود إن هناك ما يكفي من القوانين الدولية لحماية الصحفيين لكنها للأسف لم تُطبق بالشكل المطلوب وللأسف فشلت في حماية الصحفيين بسبب الضغوط السياسية وفي ظل الإفلات من العقاب بدون أي محاسبة على قتل الصحفيين.
يشير داغر إلى أن "هناك استراتيجية للجيش الإسرائيلي تبدو واضحة وهي فرض تعتيم إعلامي على قطاع غزة من خلال استهداف الصحفيين والمكاتب الإعلامية واستهداف منازل الإعلاميين وقطع الاتصالات والإنترنت ومنع الصحفيين الأجانب من الدخول إلى قطاع غزة".
في فبراير/ شباط الماضي وقّع 55 مراسلاً دوليا على رسالة تدعو للسماح لوسائل الإعلام الدولية بالوصول "الحر وغير المقيد" إلى غزة، وُوجهت الرسالة إلى حكومتي إسرائيل ومصر وتم تسليمها إلى سفارتيهما في لندن.
وسابقا تم السماح لبعض وسائل الإعلام الأجنبية بالوصول المحدود إلى غزة، إما مع الجيش الإسرائيلي أو في حالات نادرة مثل رفقة قوافل المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع.
اصطحاب الأطفال خلال التغطية

أما إسراء العرعير وهي صحفية مستقلة وبرغم الصدمة التي تلقتها في أول يوم من الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد مقتل زوجها في قصف إسرائيلي في مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، إلا أنها تمارس عملها الصحفي وتصطحب معها ابنتها الوحيدة رغم المخاطر.
"العمل في هذه الحرب كان مهمة ثقيلة جدا كوني بمفردي واتحمل مسؤولية ابنتي بمفردي، لا أستطيع أن أمارس عملي بكل طاقتي فمشاعر الخوف والقلق تسيطر علي، لكن قدر الإمكان أحاول تغطية الأحداث"، وتلفت إسراء إلى أنها تؤدي أغلب مهامها الصحفية بصحبة ابنتها "أرى بها صحفية صغيرة"، تصف إسراء ابنتها عبير.
وما يزيد من صعوبة الوضع لدى إسراء هو أن ابنتها عبير البالغة من العمر 3 سنوات ونصف تعاني من نوبات خوف بسبب الحرب، "بقدر الإمكان أحاول أن أوفق بين عملي الصحفي وبين أمومتي، أحاول دائما أن أهدأ من روع ابنتي حيث أنها تعاني من خوف شديد بسبب أصوات القصف، وتسبب لها في نوبات من التشنجات أصبحت ملازمة لها على فترات وبسبب نقص الامكانيات وأجهزة الفحوصات الطبية في مستشفيات قطاع غزة لا نستطيع فهم طبيعة الحالة والعلاج اللازم لها."
وتروي إسراء واحدة من أصعب المواقف عليها حينما همّت بالخروج لتغطية حدث صعب، أمسكت بها عبير وبدأت تصرخ طالبة منها عدم الخروج دونها.
الخوف مضاعف أثناء التغطية
ظروف قاسية عاشها أهالي غزة من نزوح متكرر ونقص أساسيات الحياة من طعام ومياه نظيفة لكن ربما أكثر ما أتعب الصحفيات خاصة الأمهات منهن هو اضطرارهن لترك أطفالهن لبعض الوقت أثناء العمل الصحفي ومنهن نور حرازين مراسلة CGTN التلفزيون الصيني.
تصف نور مشاعر خوفها على أطفالها " فكرة أنه ممكن وأنت بالميدان تفقد عائلتك هذه فكرة مخيفة، لذلك كنت أحاول دائما أن يكونوا في مكان قريب مني وأنا أعمل أثناء التغطيات، فعندما نزحت داخل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة وجدت لهم مكان قريب من المستشفى، بحيث لو حدث أي شيء نكون دائما في أماكن قريبة، ودائما كان زوجي يرعى الأطفال، وحتى زملائي في العمل كانوا متفهمين لوضعي، وفي بعض الأوقات كانوا يعتنوا بأطفالي للتخفيف عني."
نور، أم لطفلين توأم سارة وبسام 6 سنوات، رغم عملها لمدة 14 عاماً حاولت فيها إيجاد توازن بين عملها كصحفية وكأم، لكنها اتخذت قرار أن تنفصل عن أولادها وترسلهم خارج غزة في 15 يناير/كانون الثاني عام 2023 ما أثرعلى نفسيتها كثيرا قبل أن تلحق بهم إلى خارج القطاع بعد تغطية استمرت لمدة 200 يوم.
تقول نور عن تلك اللحظات: "كان قراراً صحيحاً لأني شعرت أن لديهم فرصة العيش بأمان ويستطيعوا النوم بدون أصوات الصواريخ لكن الأمر كان صعباً بالنسبة لي، فالعيش بدونهم صعب".
"أتذكر أني بعد وداعهم لم أستطع العمل لمدة أسبوع تقريبا، كانت حالتي النفسية صعبة، أكثر ما آلمني في هذه الحرب ولم أستطع تجاوزه أني في كثير من الأسابيع لم أستطع أن أوفر غذاء لأطفالي، أتذكر أنه لمدة أسبوعين كاملين كنا نتقاسم أنا وأطفالي وعائلتنا وعائلات طاقم فريق العمل معي، كنا نتقاسم كلنا رغيفين من الخبز أو علبة لحمة واحدة، كل شخص يأخذ ملعقة واحدة منها، وفي أيام كانوا أولادي يناموا جوعى".
وتختم نور"لا أستطع أن أقول أني في هذه الحرب وفقت بين عملي وبين أمومتي، بصراحة كان كل وقتي للعمل لأني شعرت أني أم لكل الأطفال في قطاع غزة، يجب علي أن أنقل ما يحدث معهم، يجب أن أحكي ماذا يحدث هنا، القصة ليست فقط قصة سارة وبسام أولادي، القصة هي قصة مئات الأطفال في غزة".

إعلان
تابعنا
ملفات