الحوثي وحماس وتحالف ما بعد الهدنة

26-01-2025 09:28:57    مشاهدات23

واي إن إن - بشرى المقطري

يُعاد، في العلاقة التحالفية بين الشركاء، ضبط الأدوار الوظيفية في العلاقة، بتكييفها تبعاً للتحدّيات التي يواجهها الحلفاء على الأرض. وفي هذا السياق، أفضى سريان هدنة وقف إطلاق النار في قطاع غزّة إلى تحديات جديدة على جماعة الحوثي، بوصفها طرفاً فاعلاً في معسكر المقاومة الإسلامية المناوئ لإسرائيل، بحيث سعت إلى تفعيل استراتيجية وقائية لمواجهة هذه التحديات، أو على الأقل محاولة تقليص حجم المخاطر التي تتهددها، مقابل استمرار تنسيق معركتها الإسنادية مع حليفها الفلسطيني.
تتسم العلاقة التحالفية بين جماعة الحوثي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بطابع ديني أكثر منه سياسياً، وأيديولوجي في حالة الجماعة، إذ تجاوزت علاقتهما التحالفية تجاذبات وإعاقات الصراع المذهبي في المنطقة، حيث تتقاطع سردية الصراع التاريخي الفلسطيني - الإسرائيلي مع منحىً إسلاميٍّ في حالة الجماعة، يعزّز العداء لإسرائيل بوصفها كياناً محتلاً للأراضي الفلسطينية، إلى جانب تضافر الطابع الديني مع شعاراتية أيديولوجية موجّهة في خطاب الجماعة وأدبياتها السياسية والدينية ضد إسرائيل، وأيضاً ضد أميركا، باعتبارها الحليف التاريخي لإسرائيل، والذي شكّل الهوية الدينية للجماعة، ومنحها، إلى حد كبير، مركزاً مرموقاً في معادلة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في المنطقة، فخلافاً لمضامين العلاقة التحالفية بين الجماعة وشبكة محور المقاومة، بما في ذلك حليفها الإيراني، التي تسند إلى جانب الهوية المذهبية، على قنوات الدعم العسكري والسياسي، فإن علاقة الجماعة بحركة حماس لا تنبع من أهداف نفعية مباشرة، بل تستند إلى منحى وظيفي، وإنْ شكّل نوعاً من الاستثمار السياسي والشعبوي، إذ إن تحالفها الاستراتيجي ضرورة ملحّة تعمق أصلانيتها بوصفها قوة مقاومة إسلامية، ومشروعيتها السياسية والدينية في محاربة إسرائيل، والذي صعده حرب الكيان الإسرائيلي على قطاع غزّة، إلى جانب الارتدادات العسكرية والاقتصادية التي تعرّضت لها الجماعة جراء إسنادها حركة حماس، من استهدافها من التحالف الدولي الذي تتزعمه أميركا وضرب أصولها العسكرية في اليمن، إلى انخراط إسرائيل في استهداف الجماعة بشكل مباشر، بيد أن المهم هو نتائج المعادلة الإسنادية لغزة وما كرسته من أدوات القوة الذي صعد مركز الجماعة، فإضافة الى عملية التعبئة الجماهيرية اليومية في المناطق الخاضعة لها، والتي أدّت إلى ربط الساحة اليمنية، كجغرافية فاعلة للمقاومة، ما عزّز شعبيتها في الداخل اليمني، فقد أدارت الجبهة البحرية، كورقة ضغط عسكرية وسياسية واقتصادية ضد حلفاء إسرائيل، حيث استطاعت الجماعة، إلى حد ما، فرض المعركة البحرية جبهة موازية لمسارات الحرب في غزّة، ما ترتب عليه، طوال عام، تغيير حركة الشحن التجارية في المنطقة وإرباكها، إضافة إلى تكثيف عملياتها العسكرية ضد إسرائيل التي واكبت مسارات الحرب في غزّة حتى تفعيل هدنة وقف إطلاق النار، بحيث منحها ذلك موقعاً محورياً، لا في مركزها الإسنادي فقط، بل في تدعيم الشكل التحالفي مع المقاومة الفلسطينية.
تتفاعل ديناميكيات العلاقة الإسنادية بين الحليفين، وتتمظهر في طبيعة الدور الوظيفي لكل طرف، فضلاً عن تأثير التحولات الإقليمية والدولية، بما في ذلك تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة على استراتيجية الحليفين في هذه المرحلة، إذ أفضى اتفاق الهدنة في غزّة إلى إشاعة حالة من التهدئة العسكرية في المنطقة، كما عطّل مفاعيل حرب غزّة كبؤرة تغذي التوترات الجيوسياسية، وهو ما اقتضى تغيير طبيعة الأدوار للقوى الإسنادية، وتحديداً جماعة الحوثي، ففي حين كيّفت اتفاق الهدنة كانتصار سياسي لها، على إسرائيل، جرّاء عملياتها العسكرية التي استهدفتها، وأيضاً حربها في الجبهة البحرية، إلى جانب استثمار الزخم الشعبي لما بعد هدنة غزّة، لمضاعفة شعبيتها، فإن الجماعة أيّدت ضمنياً الهدنة دعماً لحليفها الفلسطيني وتثبيت موقفه التفاوضي مع إسرائيل مستقبلاً، إلى جانب تكييف خطواتها مع حليفها. وبالتالي، فرض مستوى تنسيقي أعلى يتناسب مع التحدّيات المقبلة، وتماشياً مع هذا النهج، أي التطبيع مع حالة التهدئة في المنطقة، وأيضاً مع الدبلوماسية السياسية المعلنة لحركة حماس، جمدت الجماعة المظاهرات الأسبوعية التي تشهدها المناطق الخاضعة لها، في الوقت الحالي، فيما احتفظت بلغتها التصعيدية ضد إسرائيل، إلى جانب إدارة أوراق الضغط ضدها وحلفائها الغربيين، بحيث فرضت نفسها مراقباً عملية وقف إطلاق النار في غزّه، ومراحلها، وتقييم مدى التزام إسرائيل فعلياً ببنود الهدنة، وتلويحها في حال اختراقها أو استهداف المدنيين في غزة بالتدخل الإسنادي، ومن ثم استطاعت الجماعة، ومن خلال هذا الدور، فرض نفسها طرفاً في مرحلة ما بعد الهدنة. إلى جانب ذلك، وفي مقابل تعليق عملياتها العسكرية ضد إسرائيل، بحسب تصريحات زعامات الجماعة، فقد تبنّت استراتيجية في إدارة الجبهة البحرية تتكيف مع الظروف الحالية، والمتغيرات الجيوسياسية.
تتضح تحولات المعركة الإسنادية لجماعة الحوثي في إدارتها أزمة الملاحة في البحر الأحمر ما بعد اتفاق هدنة غزّة، ولأهمية الجبهة البحرية التي ظلت أهم أوراق الضغط على حلفاء إسرائيل، إلى جانب الأهمية الاقتصادية لتأمين باب المندب كشريان تجاري حيوي تمرّ عبره حركة التجارة العالمية، فإن أي مساراتٍ للتهدئة ما بعد هدنة غزّة تعني، بالضرورة، وقف التصعيد العسكري للجماعة في منطقة البحر الأحمر، بيد أنها حقبت ترتيبات تطبيع أزمة الملاحة في البحر الأحمر، وأيضاً في الممرّات المائية اليمنية التي تشرف عليها، وربطتها بمسارات التهدئة في غزّة، ومراحلها التفاوضية، فمن جهةٍ أكّدت الجماعة، ومن خلال تصريحات قياداتها، استمرار فرض حالة الحصار الاقتصادي ضد إسرائيل، عبر تثبيت الإجراءات العقابية بمنع عبور السفن التجارية المملوكة للشركات الإسرائيلية أو التابعة لها في منطقة البحر الأحمر، واستهدافها في حال أخلّت بذلك، وربطت الجماعة التقييد التجاري للسفن الإسرائيلية بتنفيذ بنود اتفاق الهدنة، بحسب المراحل المعلنة، حتى إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، مما يعني إعادة أزمة الملاحة في البحر الأحمر إلى المربع الأول لبداية حرب غزة، حيث كانت الإجراءات العقابية تقتصر على الشركات الإسرائيلية فقط، وكيفت الجماعة إجراءاتها الحالية في سياق استمرار تنسيقها السياسي مع حركة حماس للضغط على إسرائيل، وأنها لا تستهدف الملاحة التجارية في البحر بشكل عام، ولتأكيد سياساتها الجديدة، أفرجت الجماعة أخيراً عن طاقم السفينة "جلاكسي ليدر"، المختطف منذ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وسلّمته بمقتضى ترتيبات وقف إطلاق النار في غزّة، وبالتنسيق مع حركة حماس، إلى الوسيط العُماني. ومن جهة ثانية، علقت الجماعة الإجراءات العقابية، ما بعد سريان هدنة غزة على سفن الشحن التجارية المملوكة أو التابعة لأميركا وبريطانيا في البحر الأحمر وسمحت لها بالعبور. في المقابل، ربطت حالة المنع واستئناف العقاب، أي تحوّلها إلى أهداف عسكرية للجماعة في حال استمرار هجماتهما على اليمن؛ ربما فرضت استراتيجية البحر الأحمر تحولات الوضع الإقليمي والدولي الحالي، حيث تهدف الجماعة إلى تجنيب نفسها مواجهة عسكرية مكلفة، مقابل حرصها على توثيق تحالفها العسكري والسياسي مع حركة حماس، عبر إبقاء البحر الأحمر جبهة إسنادية مرتبطة بمسارات الهدنة في غزّة، ومع أن حصر تقييد حركة الشحن التجاري على إسرائيل، واستثناء حلفائها الغربيين، يشكل تحولاً في موقف الجماعة، فإن هذه الإجراءات قد لا تؤدي، في ظل استمرار عسكرة البحر الأحمر، وبقاء القوات الدولية على اختلافها، إلى خفض التهديدات على حركة الملاحة، فضلاً عن تطبيعها، إلى جانب الغموض الذي يلفّ مستقبل التحالف الدولي الأميركي، "حارس الازدهار"، في ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، علاوة على أن شركات الشحن الكبرى قد تفضّل استمرار تحويل مسار سفنها التجارية حول أفريقيا حتى التأكد من المرور الآمن عبر البحر الأحمر على المدى الطويل، ومن ثم فإن تطبيع الملاحة قد يحتاج إلى وقت أطول في حال وقف التصعيد في البحر الأحمر.
في المحصلة، تتجاوز محورية القضية الفلسطينية في المنظور الإنساني وحق الفلسطينيين في استعادة أرضهم أي توافقات مرحلية بين الحلفاء، أياً كانت أيديولوجيتهم واستثماراتهم السياسية. وإذا كانت الحرب في غزّة قد مكّنت الطرفين من توثيق تحالفهما الاستراتيجي، فإن سريان الهدنة، وإن أوجد نوعاً من التهدئة في المنطقة، إلا أن تثبيت خفض الصراع لا إنهائه، يقتضي أولاً وقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، ووقف الاستيطان، وهو ما يتعارض مع سياسات الهيمنة الإسرائيلية واستخدام القوة التي قد تؤدي إلى تفجير اتفاق الهدنة الهشّ، فضلاً عن تحدّيات المرحلة الثانية من تنفيذ الاتفاق، وربما سعي الكيان الإسرائيلي الى استئناف الحرب. وبعيداً عن الشكل التحالفي الذي سيمضي فيه الحليفان، ما بعد هدنة غزّة، وأيضاً التحدّيات الداخلية والخارجية التي قد يواجهانها، فإن صراع المحاور الذي يحرّك التوترات الجيوسياسية وأيضاً المصالح الدولية والإقليمية قد ينتج مخاطر التصعيد، وبالطبع التصعيد المقابل.

*نقلاً عن العربي الجديد

إعلان
تابعنا
ملفات