واي إن إن - العربي الجديد
من المتوقع أن يصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، السبت المقبل، في زيارة رسمية يلتقي خلالها الرئيس دونالد ترامب مطلع الأسبوع المقبل، وهو لقاء غير مسبوق بتوقيته المبكر مع رئاسة جديدة، ولو أن الزائر محسوب من أهل البيت. وتأتي الزيارة على خلفية مواقف وخطوات صدرت أخيراً عن البيت الأبيض، مثل دعوته لتهجير سكان غزة، ورفع الحظر عن تزويد إسرائيل بقنبلة الألفي رطل، وبدت بمثابة هدية ثمينة لنتنياهو الذي سارع إلى التقاط الفرصة لاستدرار المزيد من هذه البضاعة الترامبية، ووضعها في إطار خريطة طريق مشتركة مع الإدارة لمرحلة ما بعد حرب غزة في المنطقة. ولوحظ أنّ دعوة ترامب لنتنياهو لم تصدر إلا بعد أن سرّبت إسرائيل مسبقاً موضوع الزيارة إلى موقع أكسيوس، عبر مراسله الإسرائيلي باراك رافيد، لجعلها تبدو وكأنها صارت بحكم الأمر الواقع، الذي لا يحتاج سوى إلى إعلانه رسمياً، وهذا ما حصل. الاعتقاد السائد أنّ العلاقة بين الرئيس ترامب ونتنياهو تقوم على التقارب المميز وليس على التطابق. ترامب يتباهى بأنّ ما قدّمه لإسرائيل لا يجاريه فيه أي من الرؤساء السابقين، وعلى هذا الأساس هو يعوّل على أنّ رئيس حزب الليكود لا يقوى على تجاهله، كما كان يفعل مع سلفه جو بايدن، خصوصاً وأنه، أي ترامب، الآن في أوج قوته في واشنطن. من هذا الموقع، أصرّ ترامب على انتزاع صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين في غزة، التي تعذر على بايدن تحقيقها لوحده. كما عملت إدارته، ولو بشكل غير مباشر، على التوصل إلى اتفاق وقف النار في لبنان، ثم على فرض تمديده لغاية 18 فبراير/ شباط المقبل، خلافاً لرغبة إسرائيل. وثمة من يجادل بأن عودة نازحي شمال غزة إلى مناطقهم ما كانت لتتم لولا ضغط الإدارة على نتنياهو. والتعليل أنّ الإدارة، إذ تتحرك في هذا الاتجاه، فلكي تعزز أولويتها التي تقضي بوضع حدّ نهائي لحرب غزة. وحتى دعوته المقززة "لتطهير غزة"، والتي أثارت حالة واسعة من النفور والإحراج، والتي انطوت على عنصرية فاقعة، ثمة من رأى فيها ورقة ضغط وتهويل على الطريقة الترامبية، بغية حمل حركة حماس على تقديم التنازلات التي ترغب بها إسرائيل في مفاوضات المرحلة الثانية من وقف النار. فالإدارة تتصرف على أساس أن حرب غزة دخلت أو لا بدّ أن تدخل طور النهاية. وصار من المسلّم به أنه لم يعد لها حيثية ميدانية، بعد أن بلغت حدودها القصوى في الدمار والإبادة، وبما يفرض الانتقال إلى "اليوم التالي". ونتنياهو يعرف ذلك، لكنه يعرف أيضاً أن استمرار الوضع المعلق في جنوب لبنان، وتحميل إيران مسؤولية استمراره، يشكّل ورقة قابلة للتسويق في واشنطن، من باب أنّ الاستقرار في المنطقة صار مرتبطاً بالتصدي لطهران ونفوذها فيها، فضلاً عن ضرورة احتواء مشروعها النووي. هنا، تتقاطع حسابات نتنياهو وإدارة ترامب، لكن المعالجات غير متطابقة. نتنياهو حاول جرّ إدارة بايدن الى مواجهة مع طهران، لكنها نأت عن خيار الحرب الشاملة. اكتفت بمواجهة غير مباشرة وعن بُعد. الآن لا بدّ أن يكرر المحاولة مع ترامب، خاصة وأن هناك حسابات معلّقة منذ سنوات بين الرئيس وطهران. لكن تلميحات الإدارة وتوعّدها "بتشديد العقوبات" على إيران، وعدم استبعادها لحلول دبلوماسية معها، خاصة وأنّ طهران أعطت أكثر من إشارة إلى رغبتها في سلوك مثل هذا المسار، يجعل من المستبعد توصل الحليفين إلى خريطة طريق تعكس طموحات إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية للنووي الإيراني، لا تقوى عليها من غير مشاركة أميركية مباشرة، لا سيما وأن ترامب غارق بمشروع داخلي كبير وخطير، يرمي إلى إجراء تحول جذري في بنية النظام تحت عنوان الحاجة إلى "إصلاحه". فهو منخرط منذ عودته الى البيت الأبيض بمشروع تغيير انطوى على مخالفات للقانون والدستور، وبما استوجب تدخل القضاء لوقف العمل ببعض خطواته الغريبة التي اعتمدها. وخلق ذلك حالة من الارتباك والإحباط جراء فرض قرارات طاولت مصالح وإدارات، وقضت بتجميد الإنفاق في مجالات حيوية كثيرة، شملت البرامج الاجتماعية، والإعانات، والمساعدات الخارجية، والتسهيلات الائتمانية، والقروض الميسورة، وغير ذلك من التدابير المتعلقة بالحياة اليومية لملايين الأميركيين. وآخر "تقليعة" كانت الثلاثاء في العرض الذي طُرح على الموظفين في دوائر الحكومة الفيدرالية، بدفع الراتب لمدة 8 أشهر سلفاً، لو قدم الموظف استقالته من وظيفته بين الثلاثاء و6 فبراير/ شباط المقبل. الغرض المعلن من هذا التدبير، تقليص الجهاز الإداري، وبالتالي خفض الإنفاق كمدخل لخفض العجز في الموازنة، وتالياً في المديونية العامة! طفرة تجاوزت الكونغرس، وهناك خطر بتجاوز القضاء، وسط جوّ من التخويف والخوف من الأدهى، ومن بداية تسلل الشلل إلى المؤسسات. وبذلك، دخلت أميركا في حالة اشتباك بين السياسة والقانون، مفتوحة أبوابها على كافة المخاطر، وفي أحسن الأحوال على الفوضى العارمة، والتي قد تحمل الرئيس ترامب، كما حملت غيره في ظروف ضاغطة من هذا النوع، على التوجه نحو خيار الحرب لحجب أزمته. وربما يراهن نتنياهو على مثل هذا الاحتمال، خاصة أن ما قام به الرئيس ترامب من انقلابات حتى الآن ليس سوى أول الغيث، الذي قد يتحول إلى فيضانات قد تزيد من احتمالات الحروب. هزات ترامب في الأسبوع الأول من رئاسته ليست سوى أول الغيث الذي يسبق الفيضانات.
بشرى المقطري
طارق محمود
مصطفى ناجي
محمد ابو رمان
علي انوزلا