واي إن إن - متابعات
وقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، مساء امس الاثنين، اتفاقاً يقضي بدمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، فيما ذكر موقع إعلامي كردي أن ما جرى التوصل إليه كان بناء على اتفاق تم توقيعه في شهر فبراير/شباط بين واشنطن وأنقرة. ونشرت الرئاسة السورية بياناً وقعه الشرع وعبدي جاء فيه أنه تم الاتفاق على "دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز". وفي تعليقها على هذا التطور المفاجئ، قالت المتحدثة باسم حزب "الاتحاد الديمقراطي" سما بكداش إن "الاتفاق بين الجانبين "إيجابي"، والنقاط التي اتفقوا عليها هي عينها التي اتفقوا عليها من قبل، وتتضمن وحدة الأراضي السورية وتقسيم الثروات الموجودة والنقطة الأخرى التي نركز عليها، وهي الحوار والاتفاق، ونقاط أخرى هامة ضماناً لحقوق الكرد في الدستور السوري، باعتباره شعباً أصيلاً على أرضه، وضرورة أن يتمثل في الهيئات والتشكيلات السياسية". ولفتت بكداش إلى أن الاتفاق "يتضمن وقف الهجمات التركية بحجج مختلفة على شمال وشرق سورية، إذ ينص على توقف القتال، أي توقفه على جميع الأراضي السورية". واعتبرت هذه الاتفاقية "تجهض الكثير من المحاولات من أطراف تسعى إلى إشعال حرب أهلية بين شعوب وطوائف سورية"، وفق تعبيرها. خطوة تاريخية للكرد ووصف المحلل السياسي الكردي عبد الحميد سلمان الاتفاق بأنه "خطوة تاريخية بالنسبة للكرد في سورية من الناحية السياسية والوجودية، وبالنسبة لجميع السوريين خطوة لنزع فتيل أزمة متوقعة في سورية في حال عدم التوصل إلى اتفاق، خاصة أن قسد تسيطر على مساحات شاسعة من سورية". واعتبر سلمان، في حديثه ، أن "الاتفاق يفتح المجال أمام السوريين"، مشيراً إلى أن "اللجان التنفيذية بين الطرفين ستكون هي محط الأنظار في الأيام المقبلة". من جانبه، أعرب الباحث رشيد حوراني عن اعتقاده بأن "الاتفاق يعود لعدة أسباب، أولها الغطاء الدولي الذي منحه المجتمع الدولي لإدارة العمليات العسكرية، ومن ثم القبول بأحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية، والوضع السياسي العام بعد سقوط النظام في سورية". وأضاف أن "هذا القبول الدولي، سواء على المستوى العربي أم الإقليمي والدولي، كان أحد عوامل الضغط التي دفعت قسد وقيادتها للقبول بالانضواء والاندماج مع الدولة السورية". أما العامل الثاني، وفق حوراني، فيتمثل في "تغليب لغة الحوار من حكومة دمشق مع قسد، وسعيها وحرصها على التوصل إلى اتفاق عبر الحوار وليس من خلال العمليات العسكرية، بهدف جمع شتات الدولة والجغرافيا السورية وتوحيدها للانطلاق في عملية البناء". ومن الأسباب الأخرى، بحسب الباحث السوري، أن "حكومة دمشق قدّمت العديد من عوامل بناء الثقة لكل الأطراف، من خلال التعاون وإظهار نفسها حكومة مرحلة انتقالية، وليست سلطة استبدادية تسعى إلى الهيمنة، كما أنها لا ترغب في إعادة إنتاج التجربة السياسية التي أرسى دعائمها النظام السابق طيلة أكثر من خمسين عاماً في سورية". وقال حوراني إن "هذه الخطوات التي اتخذتها حكومة دمشق لبناء الثقة مع الأطياف الأخرى داخل الدولة السورية كانت أيضاً من العوامل التي دفعت قسد للاندماج والقبول بالطروحات الوطنية التي قدّمتها دمشق". إضافة إلى ذلك، يشير حوراني إلى أن "الحاضنة الشعبية في المناطق التي تسيطر عليها "قسد" ترفض وجودها بنسبة تصل إلى 80%، وهو ما تؤكده المظاهرات التي خرجت في دير الزور والرقة خلال عملية "ردع العدوان"". وقد طالبت هذه المظاهرات قوات "ردع العدوان" بالتوجه إلى المدينتين للسيطرة عليهما وتحريرهما من "قسد". ولفت إلى أن "حكومة دمشق اتبعت ما يمكن وصفه بـ"القوة الناعمة" لتفكيك قسد، إذ "تواصلت مع بعض الشخصيات العربية والقيادية داخلها، ودفعَتها إلى الانشقاق دون الإعلان عن ذلك". واعتبر أن "من العوامل الأخيرة التي أثرت في المشهد محاولات الفلول في الساحل، الذين سعوا من خلال تحركاتهم الأخيرة إلى إنشاء منطقة شبيهة بمناطق خفض التصعيد التي مُنحت للمعارضة في إدلب، ولكن بأسلوب آخر يراعي خصوصية المنطقة، وهو ما كان ضمن حسابات فلول النظام". و"رغم الانتهاكات الإنسانية التي لا يمكن إنكارها"، قال حوراني، إن "القوة العسكرية التي استطاعت كسر نفوذ الفلول كانت بمثابة رسالة إلى قسد بأنها غير قادرة على مواجهة القدرات العسكرية التي تمتلكها حكومة دمشق". دبلوماسية هادئة من جانبه، قال المحلل السياسي محمد جزار إن "الاتفاق يعكس نجاحاً للدبلوماسية الهادئة التي عكف عليها الطرفان منذ أسابيع، وجرى خلالها البحث مفصلاً بكل القضايا الخلافية بعيداً عن الأضواء". وأضاف جزار في حديثه أن "فرص نجاح الاتفاق جيدة، نظراً لأنه يتم بين قوتين ناضجتين سياسياً، وبعلم وربما مشاركة أطراف دولية وإقليمية فاعلة، خاصة الولايات المتحدة الراعي الرسمي لقسد، وتركيا الحليف الأقرب لحكومة دمشق". وأشار في الوقت نفسه إلى أن "تركيا، وإن كانت تدعم الاتفاق مبدئياً كما يفترض، لكنها ستواصل مراقبة تطبيقه على الأرض، لأن ثقتها ضعيفة بقسد وقيادتها، خاصة في ما يتعلق بإبعاد قيادات قنديل (عناصر حزب العمال الكردستاني) عن سورية، والتأكد من أن القوات التي تنتشر على الحدود مع تركيا سوف تأتمر من دمشق، وليس من قيادة قسد". وحول الأسباب التي قد تكون دفعت "قسد" للتوقيع على هذا الاتفاق، رأى جزار أن "تلك القيادة ربما قرأت المشهد الدولي، والموقف الأميركي، وخلصت إلى أن هناك رغبة دولية باستتباب الأمر في سورية بعد 14 عاماً من الحرب، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ربما يرغب في نهاية المطاف بسحب القوات الأميركية من سورية، وحينئذ سيكون موقفها (قسد) ضعيفاً، وسوف تفاوض من موقف ضعف". تفاصيل إضافية عن الاتفاق ووفق مصادر كردية، فقد أقلت مروحية أميركية من نوع أباتشي وفد "قسد" برئاسة مظلوم عبدي إلى دمشق. وذكر موقع "كوردستريت" الكردي أن الاتفاق الذي وقع اليوم كان بناء على اتفاق وُقِّع في شهر فبراير/شباط بين واشنطن وأنقرة، إذ جرى التوصل إلى النقاط التالية: • حل جميع الفصائل التابعة لقسد، مثل وحدات حماية الشعب، وحدات المرأة، منظمة جوانن شورشكر، وقوات سورية الديمقراطية (قسد). • تسليم حقول النفط، السجون التي تضم أفراد تنظيم "داعش"، وكامل المعابر الحدودية مع العراق وتركيا إلى الحكومة السورية المركزية. • يتولى الطيران الحربي التركي تأمين الحماية الجوية في كل الأراضي السورية بالتنسيق مع قاعدة أضنة. • اندماج عناصر قسد غير المطلوبين في تركيا بتهم الإرهاب في الجيش السوري كأفراد، وليس كجماعات. • يُعطى عناصر قسد المطلوبين الخيار بين البقاء داخل سورية أو اللجوء إلى الخارج. • يبدأ تنفيذ الاتفاق بمجرد الإعلان عنه من الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي. ووفق الموقع، فإن وزارة الدفاع السورية أرسلت رتلاً إلى الحسكة بالتنسيق مع قسد لاستلام المقرات وحقول النفط. وكانت قيادة "قسد" قد أعلنت، في فبراير الماضي، دمج المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة لها مع المؤسسات الأمنية للإدارة الذاتية، تمهيداً للدخول في هيكلية الجيش السوري، ودعا قائدها مظلوم عبدي الرئيس أحمد الشرع لزيارة المناطق الخاضعة لسيطرة قواته في شمال شرق سورية. وجاء توقيع الاتفاق بعد نحو أسبوعين من دعوة مؤسس "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان، في إعلان تاريخي، إلى حل الحزب وإلقاء السلاح. وتسيطر "قسد" على نحو ثلث مساحة سورية، وهي تضم تحالفاً عسكرياً يسيطر عليه الأكراد كان قد تشكل عام 2014 لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
مصطفى ناجي
د.حسن نافعة
مصطفى البرغوثي
بشرى المقطري
طارق محمود