هل يعيد تعطيل موانئ الحديدة تشكيل خارطة النفوذ والاقتصاد في اليمن؟

24-04-2025 10:40:22    مشاهدات76

واي إن إن - يمن شباب نت

في 17 أبريل/نيسان الجاري، شنت المقاتلات الأميركية سلسلة غارات جوية استهدفت منصة الوقود في ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة غربي اليمن. وأظهرت لقطات مصورة اشتعال خزانات الوقود وتهاوي القاطرات تحت وطأة الانفجارات، بينما تحوّل الميناء إلى ركام، بفعل ضربة غير مسبوقة قطعت الشريان الاقتصادي الأهم لمليشيات الحوثي.
لسنوات، مثّل ميناء رأس عيسى شريانًا استراتيجيًا للحوثيين ومحطة محورية لاستيراد الوقود، ما جعله عرضة للاستهداف العسكري. وتقول الإدارة الأميركية إن هذه الضربة تهدف إلى تقويض القدرات الاقتصادية للجماعة وتجفيف منابعها المالية.
وذكرت القيادة المركزية الأميركية في بيان أن الميناء، الخاضع لسيطرة الحوثيين، يُعد مصدرًا رئيسيًا للوقود المستخدم في تمويل أنشطة الجماعة المدعومة من إيران، مؤكدة أن تدمير المنصة يستهدف حرمان الحوثيين من الإيرادات غير المشروعة التي استخدموها في تنفيذ عمليات إرهابية لأكثر من عقد.
منشأة رأس عيسى
تقع منشأة رأس عيسى في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة رأس عيسى. وقد بدأت كمشروع استثماري تابع لشركة الخليج اليمنية لتكرير البترول، المملوكة لرجل الأعمال أحمد العيسي، قبل أن تستولي عليها مليشيات الحوثي بعد سيطرتها على محافظة الحديدة.
كان المشروع يهدف إلى الاستغناء عن الباخرة "صافر" الراسية في البحر، والتي انتهت صلاحيتها، وذلك لتصدير النفط الخام واستقبال المشتقات النفطية. إلا أن الحوثيين منعوا استكمال المشروع، ونهبوا كافة معدات الشركة الهندية المنفذة، بحسب تقرير حديث صادر عن منصة "فروودويكي".
خلال السنوات الماضية، ظل العمل في الميناء يجري بطريقة بدائية، ودون إجراءات كافية للسلامة، حيث كانت التجهيزات شبه منعدمة لمواجهة مخاطر مثل الحرائق، ويقتصر الميناء على منصة ولسان بحري وخرطوم ممتد يُربط بالسفن لتفريغ الوقود مباشرة إلى الخزانات أو القاطرات.
البديل الإجباري
في 21 يوليو الماضي، تعرض ميناء الحديدة لغارات جوية إسرائيلية استهدفت خزانات الوقود وعددًا من المنشآت، مما عطّل قدراته في استقبال السفن، رغم أنه استقبل 67% من إجمالي الوقود الداخل إلى اليمن بين 2019 و2024.
تحوّل ميناء رأس عيسى بعدها إلى البديل المناسب لاستقبال سفن الوقود، ولعب دورًا كبيرًا في استمرار تدفق الإمدادات إلى مناطق سيطرة الحوثيين، ما قلّل من تأثير الضربات الإسرائيلية.
ومنذ تلك الضربة، لم يستقبل ميناء الحديدة أي سفينة وقود وفق برنامج الأغذية العالمي، حيث تحوّلت كافة الشحنات إلى ميناء رأس عيسى. ووفق إحصاءات رسمية، بلغ إجمالي الوقود المستورد عبر موانئ الحديدة الثلاثة نحو 6.076 مليون طن متري بين يناير وسبتمبر 2024، مقارنة بـ5.225 مليون طن في نفس الفترة من 2023، وبنسبة نمو 39.2% عن نفس الفترة من 2022.
وأكد تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي في نوفمبر 2024 أن واردات الوقود عبر الصليف ورأس عيسى بلغت 2.251 مليون طن، بزيادة 3.3% عن 2023، و62.4% عن 2022.
تشير هذه الأرقام إلى أن موانئ الحديدة ظلّت تمثل المحطة الرئيسة للواردات، ما يدل على تفوقها المالي على الموانئ الخاضعة للحكومة الشرعية، خصوصًا من حيث الإيرادات الجمركية والضريبية.
بوابة اقتصادية كبرى
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، استقبلت موانئ الحديدة النسبة الأكبر من السلع والبضائع إلى اليمن، مما جعلها بوابة تجارية حيوية تسهّل وصول الشركات المرتبطة بجماعة الحوثي إلى السوق الدولية.
وبعد اتفاق الهدنة في أبريل 2022، شهدت واردات الوقود قفزة من 535 ألف طن في 2021 إلى 4 ملايين طن في 2022، قبل أن تتراجع إلى 3 ملايين طن في 2024.ووفق البيانات، استوردت موانئ الحديدة 67% من إجمالي السلع والوقود خلال الفترة من 2019 إلى 2024، بينما استقبلت موانئ عدن والمكلا 33%.

وبلغت قيمة السلع المستوردة في 2023 نحو 13.8 مليار دولار، منها 9.2 مليار دولار في مناطق الحوثيين، مقابل 4.5 مليار فقط في مناطق الحكومة، ما يشير إلى أن موانئ الحديدة شكّلت أداة لاستنزاف العملة الصعبة، وتسببت في ضغط هائل على الميزان التجاري للدولة.
ضربة للاقتصاد الحوثي
يقول الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي إن خروج رأس عيسى عن الخدمة سيجفف الموارد المالية للحوثيين، لا سيما الجمركية والضريبية، وسيؤثر بشكل كبير على وارداتهم من الوقود. وأشار في تصريح لـ"يمن شباب نت" إلى أن القدرات التخزينية في الموانئ الحوثية انتهت بعد الدمار، باستثناء التفريغ المباشر من السفن إلى القاطرات.
كما توقع العوبلي أن يعيد الحوثيون النظر في قرارهم السابق بمنع استيراد الغاز من شركة صافر في مأرب، لا سيما بعد الخسائر الكبيرة التي تسبب بها استيراد الغاز المستورد مرتفع التكلفة، والتي بلغت 283.6 مليون دولار في 2024، وفق التقرير الاقتصادي السنوي الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.
من جانبه يؤكد الدكتور عبدالقادر الخراز، رئيس هيئة حماية البيئة السابق، أن تأثيرات الضربات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بقدرة الميناء على التخزين. وأشار في حديث لـ"يمن شباب نت" إلى أن ميناء الحديدة يعمل بطريقة بدائية عبر أنبوب بحري يفرغ الوقود مباشرة إلى الشاحنات، وهو ما يشكل مخاطر على السلامة والبيئة.
ورجح الخراز إمكانية إصلاح الأضرار خلال عشرة أيام ما لم تحدث ضربات جديدة، لافتًا إلى أن غياب القدرة التخزينية سيقلص من عدد السفن الواصلة ويحد من النشاط الملاحي.
عقوبات على الغاز الإيراني
أعقب الضربات الأميركية، عقوبات فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على "قطب الغاز الإيراني" سيد أسد الله إمام جمعة وشبكته، لتورطهم في شحن غاز البترول والنفط إلى الخارج، بما في ذلك تمويل يشمل الحوثيين.
وأكد بيان الخزانة الأميركية أمس الثلاثاء، أن عائدات غاز البترول المسال لا تزال تمول الأنشطة النووية وبرامج الأسلحة الإيرانية، فضلًا عن دعم الجماعات الإقليمية كالحوثيين وحزب الله.
وفي 9 أبريل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها لن تتسامح مع أي دولة أو كيان يقدم الدعم للحوثيين، بما في ذلك عبر تزويد موانئهم بالنفط.
هذه الإجراءات، مع الضربات الجوية، تشكل ضغطًا متصاعدًا على الحوثيين، وقد تدفعهم للعودة إلى استيراد الغاز من مأرب والبحث عن بدائل عبر موانئ الحكومة المعترف بها دوليًا لاستيراد المشتقات النفطية، لتفادي كارثة إنسانية وأزمة وقود في مناطق سيطرتهم.

إعلان
تابعنا
ملفات