الهند وباكستان على عتبة الحرب

24-04-2025 10:40:46    مشاهدات57

واي إن إن - العربي الجديد

منذ استقلال شبه الجزيرة الهندية عام 1947، وخوض الهند وباكستان ثلاث حروب، كان إقليم كشمير المتنازع عليه، وذو الأغلبية المسلمة، محط صراع بين المستعمرتين البريطانيتين السابقتين، لينذر أي حادث أو توتر فيه بتصعيد، على غرار ما جرى عقب هجوم جامو وكشمير في الشطر الهندي من الإقليم المضطرب الواقع بين جبال الهمالايا، الثلاثاء الماضي، والذي أودى بحياة 26 شخصاً في منطقة سياحية، إذ تبادلت الهند وباكستان سريعاً الاتهامات والتهديدات بعمل عسكري.
وتدحرج التصعيد بين الهند وباكستان خلال 24 ساعة، ليشمل إجراءات اقتصادية ودبلوماسية ويهدد معاهدات استراتيجية، قبل أن يحضر التلويح بعمل عسكري بين الجارتين اللتين خاضتا ثلاث حروب كانت تنتهي بمزيد من تقسيم المنطقة. مع العلم أن جماعة تُدعى "مقاومة كشمير" أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم في رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي. وعبّرت الجماعة في رسالتها، عقب الهجوم، عن استيائها من توطين أكثر من 85 ألف "أجنبي" في المنطقة، ما يحدث "تغييراً في التركيبة السكانية". وفي بيان لاحق، أمس الأربعاء، قالت الجماعة إن "الأفراد المستهدفين لم يكونوا سائحين عاديين، وإنما لهم صلات بأجهزة أمن هندية وهم تابعون لها". وأضاف البيان: "لم تكن مجموعة سياحية عادية، بل كانت جهازاً سرياً مكلفاً بالبحث"، مشيراً إلى أن الهجوم "ينبغي أن يكون جرس إنذار ليس فقط لدلهي بل أيضاً لأولئك الذين يدعمون استراتيجيات دلهي المشكوك فيها". وكان مصدران أمنيان في الهند قالا، أمس، لوكالة رويترز، إن قوات الأمن بالمئات هرعت إلى منطقة باهالجام بعد الهجوم بفترة وجيزة، وبدأت عملية تمشيط واسعة النطاق في الغابات هناك. وأضافا أنه تم استدعاء حوالي 100 شخص يشتبه في أنهم كانوا متعاطفين مع المتشددين في الماضي إلى مراكز الشرطة واستجوابهم. وتقول الأجهزة الأمنية الهندية إن جماعة "مقاومة كشمير" واجهة لمنظمات متشددة تتخذ من باكستان مقراً لها مثل "عسكر طيبة" و"حزب المجاهدين".
رهان استبعاد الحرب
وعلى الرغم من التصعيد بين الهند وباكستان إلى جانب تبادل الاتهامات، اليوم الخميس، يبقى الرهان على استبعاد الحرب الشاملة بين البلدين في ظل الردع النووي القائم بينهما، إذ بينما كانت الهند تملك حتى عام 2024 حوالي 172 رأساً نووياً فإن باكستان لديها 170 رأساً. كما أن حرباً شاملة بين البلدين ليست لمصلحة أي طرف في ظل أوضاع متوترة عالمياً وإقليمياً، سواء في الشرق الأوسط أو المحيطين الهندي والهادئ، حيث تتصارع أقوى قوتين اقتصاديتين، الصين والولايات المتحدة، وحلفاؤهما. لكن تلويح البلدين بالمواجهة العسكرية اليوم واحتمال اندلاع حرب رابعة، أعاد الحديث عن قوة البلدين العسكرية.
يتفوق الجيش الهندي على نظيره الباكستاني لا سيما في الجو
وتظهر مقارنة سريعة بين جيشي الهند وباكستان وأسلحتهما، بحسب موقع "غلوبال فاير باور" المتخصص في الشؤون العسكرية، أن باكستان، وعدد سكانها نحو 252 مليوناً، تتفوق على جارتها المقدر عدد سكانها بـ1,4 مليار نسمة، لجهة القوة البرية المتاحة، إذ ما أخذ بعين الاعتبار عدد المدافع ذاتية الحركة ومدافع الميدان وراجمات الصواريخ. في المقابل، تتفوق الهند بالقوة الجوية بامتلاكها أكثر من 2200 طائرة حربية، بينها 500 طائرة مقاتلة فإن عدد طائرات باكستان المقاتلة لا يتخطى 330. كما تتفوق الهند على باكستان لجهة القوات البحرية فضلاً عن الميزانية العسكرية، إذ تبلغ نحو 75 مليار دولار بالنسبة للهند فيما تقتصر على نحو 7.7 مليارات دولار في باكستان. وسبق أن خاضت الهند وباكستان حربهما الأولى التي انتهت عام 1949 بتقسيم كشمير، فيما لم تغير الحرب الثانية عام 1965 من هذا الوضع. أما حرب عام 1971 فانتهت بانفصال باكستان الشرقية وتأسيس جمهورية بنغلادش.
مودي: سنطارد المتورطين إلى أقاصي الأرض ونحاسبهم
وعقب اعتداء كشمير، بدأ التوتر بالتصاعد بين الهند وباكستان مع تحميل نيودلهي، أمس، الأربعاء، إسلام آباد المسؤولية عن الهجوم في منطقة باهالجام بجامو وكشمير، واصفة إياه بالإرهابي، ومتخذة إجراءات شملت تعليق العمل بمعاهدة رئيسية لتقاسم المياه، وإغلاق المعبر الحدودي البري الرئيسي بين الجارتين، وخفض أعداد الدبلوماسيين. وتوعد رئيس وزرائها ناريندرا مودي، اليوم الخميس، بمطاردة المتورطين "إلى أقاصي الأرض". أما باكستان التي نفت أي دور لها في الهجوم فردت،اليوم، بإجراءات دبلوماسية واقتصادية مشابهة، معلنة عقب اجتماع أمني نادر أن أي محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه التابعة لباكستان من نهر السند سيعتبر "عملاً من أعمال الحرب"، وذلك غداة توعدها برد "قوي وقاس ومناسب"، إذا انتهكت الهند السيادة الباكستانية.
ومنذ اندلاع تمرد مناهض لها، عام 1989، في إقليم كشمير، تتهم الهند بانتظام باكستان بدعم المسلحين الذين يقفون وراء التمرد، وهي اتهامات تنفيها إسلام أباد التي تقول إنها تدعم فقط سعي كشمير لتقرير المصير. رغم ذلك، وإن سعى البلدان، في الأيام المقبلة، لاحتواء أي تصعيد إضافي، فإن ما تخلّفه هكذا هجمات دامية على المدنيين، في مناطق مختلطة طائفياً، خصوصاً بعد تسجيل مضايقات تعرض لها طلاب كشميريون في الهند، وإضراب في جامو وكشمير احتجاجاً على الهجوم وفشل حماية الزوار، قد يفتح شهية السلطات، لا سيما حكومة مودي وحزبه بهاراتا جاناتا الهندوسي القومي، على استثمارها شعبياً. وجاء الهجوم الذي تبنته جماعة مسلحة تُدعى "مقاومة كشمير"، والتي اعتبرت أن القتلى ليسوا سياحاً بل "لهم صلات بأجهزة أمن هندية"، ليشكل ضربة لجهود مودي وحزبه للترويج للمنطقة، أي جامو وكشمير لاسيما بعدما حولها في 2019 لولاية تابعة للهند، بأنها منطقة تتمتع بـ"السلام والتنمية"، رغم عقود من حملات القمع من السلطات الهندية. علماً أن توقيت الهجوم يعد حساساً، إذ يأتي قبل أسابيع فقط من موسم حج هندوسي كبير (عبر جبال الهيمالايا إلى معبد يقع في الشطر الهندي من كشمير)، إذ وقعت كارثة مماثلة في يونيو/ حزيران 2024، عندما هاجم مسلحون حافلة تقلّ حجاجاً هندوساً، ما أدى إلى انحدارها في وادٍ سحيق ومقتل تسعة منهم وإصابة 33 آخرين.
تبادل التهديدات بين الهند وباكستان
وفي سياق تبادل التهديدات بين الهند وباكستان تعهد مودي، اليوم الخميس، بملاحقة جميع المسؤولين عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل 26 شخصاً وإصابة 17 في منطقة باهالجام، ومحاسبتهم. وقال مودي في أول خطاب له منذ الهجوم: "أقول لكل العالم: ستحدد الهند هوية الإرهابيين ومن يدعمهم وتلاحقهم وتعاقبهم. سنطاردهم إلى أقاصي الأرض". وأعلن مودي أمام حشد ولاية بيهار التي زارها لإطلاق مشاريع تنموية أن "أياً يكن من نفذ هذا الهجوم ومن خطط له، سيدفع ثمناً يفوق تصوراته"، مضيفاً: "سيدفعون الثمن حتماً. مهما كانت مساحة الأرض الضئيلة التي يملكها هؤلاء الإرهابيون، حان الوقت لتدميرها". إن إرادة 1,4 مليار هندي ستكسر شوكة هؤلاء الإرهابيين". وأنهى كلمته بتعليقات باللغة الإنكليزية متوجهاً إلى الخارج، وقال: "لن يفلت الإرهاب من العقاب. سنبذل قصارى جهدنا لضمان تحقيق العدالة".
وكانت الهند اتهمت باكستان، أمس، بالوقوف وراء الهجوم، واتخذت سلسلة إجراءات، منها: إخراج الدبلوماسيين الباكستانيين من الهند، ودعوة طاقمها الدبلوماسي من إسلام أباد، علاوة على إعلان تعطيل اتفاقية المياه مع باكستان المسماة بـ"اتفاقية سنده طاس" (تقاسم نهر إندوس التي مضى عليها ستة عقود)، بالإضافة إلى إغلاق المعبر البري الوحيد بين الجارتين (معبر واغاه-أتاري). كما طلبت نيودلهي من جميع الباكستانيين الخروج من الهند خلال 48 ساعة، معلنة أن تأشيرات كل هؤلاء ملغاة. وكانت نيودلهي طلبت في وقت سابق الخميس من كل الباكستانيين المقيمين في الهند المغادرة بحلول إبريل/نيسان الحالي، بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية الهندية. وجاء في بيان الخارجية أنه "بعد هجوم باهالجام الإرهابي قررت الحكومة الهندية تعليق إصدار تأشيرات الدخول الممنوحة للمواطنين الباكستانيين مع مفعول فوري"، مشيرة إلى أنه "تنبغي على كل المواطنين الباكستانيين الموجودين راهناً في الهند مغادرة البلاد قبل تاريخ انتهاء صلاحية التأشيرات". من جهته، قال وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري، أول من اليوم، إن هناك تورطاً عبر الحدود في الهجوم وإن نيودلهي ستعلق معاهدة مياه السند.
وقال ميسري إن الهند ستسحب أيضاً ملحقيها العسكريين من باكستان وستخفض كذلك حجم الموظفين في بعثتها في إسلام أباد إلى 30 من 55. واليوم، نشرت السلطات الأمنية التي تتخذ إجراءات مشددة وتلاحق أربعة مشتبه بهم "متشددين" في الهجوم، صوراً لثلاثة منهم مع أسمائهم، مضيفة أن اثنين منهم باكستانيان والثالث من كشمير. بالمقابل، عقدت باكستان اجتماعاً نادراً للأمن القومي، اليوم. وأعلنت وزارة الإعلام الباكستانية، في بيان، أن لجنة الأمن القومي عقدت اجتماعاً، اليوم، ترأسه رئيس الوزراء شهباز شريف، بعدما اتهمت الهند جارتها بدعم "الإرهاب عبر الحدود" وخفضت العلاقات. وعقب الاجتماع أعلن المجلس، أن قرار الهند بقطع المياه وإنهاء اتفاقية سنده طاس سيكون بمثابة "إعلان للحرب"، وأن باكستان تدرس كل الخيارات من أجل الرد.
وشدد على أن باكستان "لن تقبل أي مساومة على سيادتها الوطنية وأمنها واستقرارها، ولا علاقة للهجوم الذي حدث في الهند بباكستان". كما جاء في البيان، أن من بين التدابير التي اتخذتها باكستان رداً على إعلان الهند سلسلة من الإجراءات، إخراج الدبلوماسيين الهنود" بغضون 30 إبريل/ نيسان الحالي، و"إغلاق الأجواء في وجه الطائرات الهندية"، إلى جانب "تعليق التجارة كلها مع الهند بما في ذلك من وإلى أي دولة ثالثة عبر باكستان على الفور". كما أعلن "وقف جميع أنواع التبادل التجاري مع الهند وإغلاق الحدود معها، علاوة على إلغاء تأشيرات كل الهنود سوى السيخ الذين يأتون إلى باكستان من أجل زيارة أماكنهم المقدسة"، لافتاً إلى "ضرورة إعادة النظر في كل الاتفاقيات مع الهند". كما أعرب المجلس عن أسفه الشديد لمقتل السياح في الهجوم، مؤكداً أن هذا عمل لا مبرر له، لكن ربطه بباكستان أيضاً أمر غير منطقي وغير واقعي. وحول الاتفاقيات، ذكر المجلس، على سبيل المثال لا الحصر، إعادة النظر باتفاقية سيملا (SIMLA بتاريخ 2 يوليو/تموز 1972، وتنص على إيقاف حالة الصراع الحدودي بين الطرفين، وتدعو إلى تعزيز العلاقات البينية والعمل على إقامة سلام دائم في المنطقة).
يُذكر أن الهند وباكستان تتقاسمان بموجب معاهدة مياه نهر السند التي توسط فيها البنك الدولي، ستة أنهار؛ تم تخصيص مياه الأنهار الشرقية (سوتليج وبيس ورافي) للهند، في وقت إن الأنهار الغربية الثلاثة (السند وجهيلوم وشيناب) تذهب إلى باكستان. وتتهم باكستان الهند "باستمرار" بانتهاك المعاهدة من خلال بناء السدود على الأنهار الغربية، فيما تعتقد نيودلهي أن إسلام أباد تسيطر على كميات أكبر من المياه من نيودلهي نتيجة للمعاهدة.
خواجة آصف: الهند قد تستخدم الجماعات الإرهابية لشن هجمات
وكان وزير الدفاع الباكستاني، خواجه آصف، قال إنه في حال انتهكت الهند السيادة الباكستانية، "حينها سيكون رد بلاده قويا وقاسيا ومناسبا، من هنا على الهند أن تتجنب انتهاك السيادة الباكستانية". واعتبر أن "مخططي الهجوم داخل الهند، من هنا على الهند أن تبحث عنهم في الداخل الهند". أما اليوم، فقال في مؤتمر صحافي، إن الهند "لا يمكنها إنهاء اتفاقية المياه أحادياً"، مضيفاً أن "هناك تطورات كبيرة قد حدثت في الترسانة الصاروخية الباكستانية والهند تعرف ذلك جيداً، من هنا عليها الحذر وتجنب الحرب". ولفت إلى أن "التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن الهند قد تستخدم الجماعات الإرهابية من أجل شن هجمات وتفجيرات داخل المدن الباكستانية. لكن أقول إن القيام بمثل هذه الأمور لن يكون دون رد".
وتابع: "إذ كان المواطن الباكستاني لا يعيش في أمن، المواطن الهندي أيضاً لن يعيش في أمن. نحن نراقب كل الأمور وسيكون رد باكستان غير متوقع". وفي اتهام للهند، قال إن "قادة طالبان الباكستانية وجيش تحرير بلوشستان في أفغانستان يخططون لشن الهجمات داخل باكستان، والهند تساعدهم مالياً ولوجستياً". من جهته، أعلن وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار في مؤتمر صحافي اليوم، أن بلاده تشيد "بدور دول المنطقة في تأييد موقف باكستان في الصراع مع الهند، لا سيما الصين وتركيا"، مضيفاً: "أمرنا الطاقم في السفارة الهندية بأن يغادر باكستان بغضون 30 من الشهر الحالي". وأضاف: "إعلاننا أن قطع المياه من جانب الهند بمثابة إعلان الحرب، يعني أن كل الخيارات مفتوحة أمامنا كما يحدث في الحرب". وتابع: "نحن في ارتباط بكل الشركاء في المنطقة بما فيهم الصين وتركيا وغيرها لأننا بحاجة إلى التأييد الدبلوماسي ولكن عسكرياً نحن لا نحتاج إلى أي أحد".
ورغم التصعيد بين الهند وباكستان فإنه بعد يومين على الهجوم، أبلغ طلاب من شطر كشمير الخاضع للإدارة الهندية عن تعرضهم لمضايقات وترهيب في الهند، فيما بدت مدينة سريناغار الرئيسية في جامو وكشمير وعاصمتها الصيفية، هادئة اليوم. وأثار الهجوم غضب الجماعات القومية الهندوسية، وأفاد طلاب من كشمير في مؤسسات في جميع أنحاء الهند أنهم تعرضوا للمضايقات والترهيب، وفق "فرانس برس". وقال ناصر خوهامي، منظم رابطة طلاب جامو وكشمير: "إنها حملة كراهية وتشويه متعمدة وموجهة ضد الطلاب من منطقة وهوية معينتين". وأضاف أن الطلاب الكشميريين في ولايات من بينها أوتاراخاند وأوتار براديش وهيماشال براديش طُلبت منهم مغادرة شققهم المستأجرة أو الأنزال الجامعية، أمس. وقال خوهامي إن الطلاب في إحدى جامعات هيماشال براديش تعرضوا للمضايقة والاعتداء الجسدي بعد تحطيم أبواب النزل. وأضاف أنه تم وصف الطلاب بأنهم "إرهابيون".

إعلان
تابعنا
ملفات