مأرب أيقونة وطن

24-06-2020 10:25:13    مشاهدات374
مأرب أيقونة وطن

واي إن إن - خاص- شعر / محمد الحريبي

موحشًا كنتُ
لا شجرًا في عيوني
ولا أملًا في سماءِ المدينة
مثلَ المدينةِ كنتُ
أجرُّ انكساري وأنزِفُ قهرًا بذيئا
ومِن فرزةِ الدائري
أتجهتُ مباشرةً نحوَ أرضٍ يقولون لي إنها قَشةٌ للغريق،
ملاذُ المظاليمِ،
مأوى المشردِ،
بيتٌ لمَن هدم الظلمُ منزلَه وأحرقَ دُكّانَه،
وسلامٌ كثير..

**
وصلتُ نعم
وتأكدتُ مِن كلِّ ما قيل لي
وجدتُ البلادَ التي كان يسألُ عنها المغني
البلادَ التي تعرفُ الحبَّ
أمَّ الحضاراتِ
صانعةَ المجدِ
حارسةَ الحُلْمِ
مأرب مأرب
قل مأربٌ -يا حريبي- ودعْ عنك كُثرَ الكلامِ،
ودع عنك كلَّ الهمومِ،
ودع عنك كلَّ انكسارت ذاك الزمانْ،
إنّ مأربًا الآن -يا صاحبي واللغاتُ تضيق- هي اليومَ كلُّ اللغات،
وكلُّ القصائدِ والأغنيات،
وكلُّ المعاني وكلُّ الغرام..

**
إنّ ماربَ -يا صاحبي- بشرٌ مثلُنا
لكنهم -والشهادةُ للهِ- مَن حَفِظ العهدَ،
مَن حرسوا الصبحَ وابتكروا في صفحةِ المجدِ أحلى الكناياتِ،
مَن بعثوا الماردَ الحميريَّ،
وقالوا لنا كلِّنا: إنّ ماربَ كانتْ على الدومِ أمَّ البلادِ،
هلمّوا ولوذوا بها مِن جنونِ الإمام..

**
إنّ ماربَ -يا صاحبي- جنةٌ
ليس لي اليومَ أن أكتفي
ليس لي اليوم، هذا الصباحُ لها
والصباحُ صنيعةُ أبنائِها وحدَهم
والصباحُ هنا عالقٌ لا يغادرُ إلا إذا أذِنتْ مأربٌ كي تنام
إنّ مأربَ -يا صاحبي- قصةٌ للهوى والهيام

**

أغازلها صادقَ الحبِّ
أعشقُ فيها استكانتَها
رملَها العذبَ
أبناءها الطيبين
شوارعَها؛ إذ تقودُ إلى النصرِ كلَّ الخُطى
وابتسامةَ شاعرِها "مسعدٌ"،
دندناتِ "ابنِ عسْكر" ،
أسطورةَ الوطنيةِ،
تاريخَها الأصلُ،
أثارَ من عبروا،
صورَ الشهداءِ واسماءَهم،
كلُّها،
مأربُ -يا صاحبي- وطنٌ كاملٌ
لا يموتُ ولا ينكسرْ

**
إنّ مأربَ -يا صاحبي- وطنٌ كاملٌ فاتركِ اللغوَ وامضِ بنا
إنّ مأربَ -يا صاحبي- دولةُ الحُلمِ؛
سلطانُها عادلٌ
والكلامُ مثير
- وتاريخُها؟!

-لا تُحاولْ، فمأربُ لا شيءَ يُشْبِهُهَا
والمجازاتُ حتى وإنْ راودتْكَ ستُنسى،
فقلْ مأربٌ واسمعِ الشعرَ
في عرشِ بَلقيسَ
هاهنا سبأ والأمير..

**
ومأربُ -يا صاحبي- مأربٌ
بها ألفُ لغزٍ يجُن جنون الأماسي ويشعلُ في القلبِ نارَ السعير..
حجارةُ معبدِها -ربما تدرك الحلَّ،
أو ربما حين غادرتِ العرشَ سيدةُ العرشِ
قالت لفنجانِ قهوتِها سرّ أمتِها:
إنّ مأربَ سرٌّ خطير!.

**
وفيها فقط سوف تدركُ مَن أنت،
يا ابنَ البلادِ:
أما زالَ في البالِ شكٌّ وأنتَ الذي قال فيك الزمان أساطيرَه
مرةً كنتَ زارعَ أحلامِه،
مرةً تاجرَ الأمنياتِ،
وأخرى المُعنّى الذي قيدوه..
كنت أنتَ المحبَّ،
المغنيَّ،
المتيمَ،
فارسَه الصلبَ،
يوسفَ تفاحِه،
يونسَ حيتانِه،
وموسَاه،
عيسَاه،
يعقوبَه،
كنتَ أنت الذي قاله،
كنتَ أنتَ الزمانُ الذي قال فيك أساطيرَه،
كنت أنتَ أساطيرَه والذي قال،
كنتَ المقولةُ والقائلُ الحرُّ
كنتَ الزمانَ الأخيرَ..

أما زالَ في البال شكٌّ وأنتَ ابنُ هذي البلادِ
وأنت ابنُ رملِ البلادِ
وأنتَ الهواءُ،
الترابُ،
الجبالُ،
السهولُ،
الصحاري،
الأسامي،
وأنتَ هنا واقفٌ لتقولَ لكلِّ الأساطير إني أنا اليمنيُّ الكثير..

**

ومأرب -يا صاحبي- لغزُها واضحٌ
حلَّه أنتَ
كيف أقولُ لك الآن مأرب غيرَك
والدهرُ يقرأُ فوقَ الشواهدِ اسماءنا كلِّنا؟!
مِن كِتافَ إلى حَوْفَ
مِن ساحلِ البابِ حتى الوديعةِ
مِن سقطرى إلى العاصمة!!.

**

أنتَ أنتَ البلادُ وتاريخُها والأساطيرُ،
مأربُ فيك ارتضتْ أنْ تعيشَ، فخُذها بروحِك روحًا وغَنِّ
وقل للمدى أنّ مأربَ أيقونةُ الوطنِ الحُلمُ
عاصمةُ اليمنِ الأمسُ والغدُّ واليومُ
سيدةُ العرشِ
كاتبةُ المجدِ
تعويذةُ الشعبِ في وجهِ كلُّ المخاطرِ
مأربُ يا صاحبي مأربٌ
فقلها ودعْ عنك هذا الكلامَ الكثير!!.


#الصورة بعدسة عبدالله الجرادي
إعلان
تابعنا
ملفات