قراءة نقدية سريعة في نص المبدع: خليل نعمان( الحب والكلب)

قراءة نقدية سريعة في نص المبدع: خليل نعمان( الحب والكلب)

22-09-2020 10:18:29 مشاهدات454

واي إن إن - خاص

حين يطالعك هذا العنوان الذي يحمل من الذهول والمفاجأة ما يحمل ..فشتان بين الكلام في الحب ،وبين الحديث عن الكلاب ...لكن من يغوص مليا في هذا النص وفي تخيل الواقع المعاش يعرف حدة الألم التي انطلقت منها وبها تعابير شاعر يهوى الورود والبيادر والحقول والمياه والشعر وأوراق الزيتون وعيون تبحر مطولا في كل جميل ونفس متطلعة لكل جمال وحسن ،شاعر يصف نفسه فيقول:
أنا موت بدائي
وما للحب مشواري
قاسية هذه الكلمات وهذا الوصف لكنه ورغما عنه يصفها لذاته المتعبة من واقع يطالعه فلا يجد ما تتوق إليه ذاته .

ويعود الشاعر بذاكرته للوراء قليلا فيصف نفسه ويصف حال الناس عموما :
أنا إنسان منفي
من الجنات للنار
.......
وما قلبي سوى آه
يعاني طعنة الخنجر
.......
أنا الشرقي لا أبحر
أنا المخلوق للقتل
أنا موجود كي أثأر
فعقلي متعب جدا
وفكري أشعث أغبر ..

ويا له من وصف دقيق بعبارات متقنة ليس فيه حشو ولا تكرار ،عبارات راقية ،ليس فيها تجريح،أو تصريح لأحد وهذا اعتبره ذكاء للشاعر والكاتب لواقع حال أتعب الجميع ونكل بالجميع ..ولا زال .

ومن التلميحات العديدة أعجبني التلميح في قولك :
وعدنا عصر من ماتوا
بفضل الشاطر الأجدر
*لمسنا من مزاياه
بأن الصخر قد يغدو
طعام البائس المضطر

هذا الوصف وغيره لا يتأتى بكل هذا الإتقان إلا من خلال ألم أو قل آلالام وآلالام ومعاناة إثر معاناة ...ويظهر هذا جليا من ثنايا و سطور النص ككل إلا أنه أكثر وضوحا من خلال قولك :
تعبت الركب مولاتي
على أطلال أقداري
كرهت العيش في عصر
بلا فكر وأفكار
وللتوضيح أكثر اختلط الحابل بالنابل عند شاعرنا فقال:
بلا شمس وأقمار

وكيف يعاش في كوكب لا تطل عليه شمس، ولا تزوره أقمار ؟!!

بعد هذا كله يشعر الكاتب بحيرة تجاه العالم الجميل الذي طالما حلم به ،وطالما تاق إليه أياما وأعواما ..فما كان منه إلا أن قال بعد تفكير طويل ليصل إلى قرار يرى فيه شقائه قبل سعادته :
فماذا القول مولاتي ؟
سوى هجري ونسياني
فنصفي فيك مزروع
ونصفي جرح أدماني
على شط البحار ارمي
......
فقط انسي مناجاتي
..مناداتي ..وتذكاري ..
فهذه المجازفة _على حد تعبير الكاتب _هي رؤية حكيمة منه ..فقط ليحيا نصفه الثاني ..ويا له من قرار قرر فيه الإيثار لوطن عله ذات يوم أن يكون كما أراد له أن يحيا ..
ونصفه الثاني قد تكون وطنه ..محبوبته ،ذاته هو :
فنصفي فيك مزروع
ونصفي جرح أدماني

أحيي فيك شاعرنا هذه الروح الأدبية والوطنية الراقية التي استمتعت وأنا أقوم بقراءة ونقد بسيط لهذا النص الذي هو لشاعر متمكن ..
دام نبض قلبك محبا لوطن سيحيا وسيزهو وتخضر أوراقه والجذور بالأوفياء والواثقين في حق الجميع بالعيش الكريم ..ودام قلمك نابضا بالعطاء المتواصل ..
تحياتي للجميع ..الأكثر منها للأقلام الحرة الكريمة ..
بشرى حسين العماد

إليكم النص

الحب والكلب..

هنا في القُربْ
هنا فوضى بلاد العُربْ
هنا حيث استقال الحبّ
حيث الجور والتنكيلْ
هنا في كهفنا كلبٌ
يبثّ الجهل والتّضليلْ

بتعويذاتهِ نحيا
بتعويذاتهِ نُقبَرْ
وطول الليل سكران
وبالإصباح في المنبرْ
يقول البيت أحجارٌ
وهذا ملعبٌ أخضرْ
وهذا الرّمل حبّات
صُغيرات بها نفخرْ
وهذا البحر رحّالٌ
وذاك الزّهر قد أزهرْ
شققنا الكون صرخات
بلا فكرٍ ولا مظهرْ
ليبقى سيّدي عنترْ
ليبقى سيدي عنترْ
وهيّا يا بني قومي
إلى العلياءِ بالعسكرْ

كما الخرفان جئناهُ
غرقنا في خطاياهُ
وعدنا عصر من ماتوا
بفضلِ الشّاطر الأجدرْ
لَمَسنا من مزاياهُ
بأنّ الصّخر قد يغدوا
طعامَ البائس المُضطرْ

*
تعبتُ الرّكب مولاتي
على أطلال أقداري
كرهتُ العيش في عصرٍ
بلا فكرٍ وأفكارِ
بلا شمسٍ وأقمارِ

أنا موتٌ بدائيٌّ
وما للحبِّ مشواري
أنا إنسانُ منفيٌّ
منَ الجنّاتِ للنارِ
وكلّ العار في الدنيا
سوى أعشار من عاري
وما قلبي سوى آهٍ
يُعاني طعنة الخِنجرْ

أإبحارٌ بهذا الحسن
في عَينيكِ هل يُثمرْ
أريد النّوم في جفنيك
ساعاتٍ وأعوامٍ
وأقضي كلّ أوقاتي
أضمّ الشّعر والزيتون
أروي ثغرك الورديّ
أُرضي خدّك الأحمرْ
ولكنّي أرى نفسي
جبانا خائفا أكثرْ
أفي الأعراب من يهوى
حقول الورد والبيدرْ؟!
هلِ الصّحراء قد كانت
كبستانٍ بهِ أطفال جيراني
تلوك الخبز والزّعترْ

بلاد القتل
والتقتيل والتمثيل
والتكفير والتهجير
والإرهاب
والأوباء من أطفالها تسكرْ
فلا تبقي كمسمارٍ
تلقّى الضّربة الأكبرْ
فلستُ الحلّ
لستُ الموطن المأمون
لستُ العاشق المجنون
مولاتي ولن أقدرْ
أفي الأعراب من يقدرْ؟!

أنا الشّرقيُّ لا أُبحرْ
معَ العشّاق لا أُبحرْ
أنا المخلوق كي أُقتلْ
أنا موجودُ كي أثأرْ
فعقلي مُتعبٌ جدّا
وفكري أشعثٌ أغبرْ

*

فماذا القول مولاتي
سوى هجري ونسياني
فنصفي فيكِ مزروعٌ
ونصفي جرحُ أدماني
على شطِّ البحار ارْمي
طقوسُ العُرب للآنِ
وغوصي في مياهِ العشقِ
وارْوَيْ أرضَ بُستاني
كبَحَّارٍ لإبحارِ
فقط إنسَيْ مُناجاتي
… مناداتي… . وتَذكاري

فقد جازفتُ في نصفي
لِيَحيا نصفيَ الثّاني