بقايا شاعر

30-11-2020 10:15:08    مشاهدات380


واي إن إن - هائل بشري

لم يكن حزنا عاديا ارتطام ذلك الشغف الأزلي المقدس بصخرة الواقع المؤسف الذي لم تزح عنه الرؤية الضبابية منذ البداية.

أن يُكوى جسدك كياً أهون بكثير من ذبولِ شمعةِ قلبٍ متوقدةٍ بعد استنارةٍ وهميةٍ خُيّل إليه أنه سيجد النور ذات يوم فظل متشبثاً بالأمل المزعوم حتى غشيه من اليأس والخيبة ما غشيه.

لاشكّ أن الخروج من حانات اليأس والندامة بعد إدمان لذة الخمر الشهي قسوةٌ على النفسِ بكل ما تعنيه الكلمة من قسوة.

أتسائل إن كانتِ النزوةُ قُدّرَ لها أن تَوسم بالعشق أم أنّ حامل هذا اللواء الحميد أُلبس مسماه إلباساً ؟!!

إن الخروج من أزمة العاطفة والمشاعر أشدّ إيلاما من الضرب بالسيف والجلد بالسوط.

لا أحد سيشعر بذلك ومن الطبيعي أن لا يشعر بذلك الألم من لم يجربه.

أرأيت عملية تطهير الجرح العميق بتلك المعقمات وتنظيفه كيف يكون الصراخ فيه والألم؟!
أرأيتم كيف تخرج تلك الزفراتُ والشهقاتُ في النَّفَسِ الواحد ؟!
تخيل أنه هذا الموقف يحصل لك الآن، أليس موجعاً؟!

فما بالكم حين يكون الجرح قلبياً قد حفر عمقاً لم تحسب أية حساب لعواقب هذا العمق المتسلل في داخلك يوماً بعد يوم تذكرني بدايته بمسحةِ القطن قبل استخدام الإبرة للمريض إنه الألم القلبي المرتبط بالمشاعر التي تعتبر بمثابةِ كيان الإنسان وخاصته.
سيدنا بلال كان يضربُ ضرباً حتى أُدمي جلدُه وعذّب حتى سُلخَ بعضٌ منه ومع ذلك كان إيمانه القلبي قوياً صلباً لدرجة أنه كان يردد "أحد أحد" دون مبالاة وكأنه يواسي بها نفسه ولكنه حين ناداه أحدهم بابن السوداء تأذى كثيراً .
نعم، تأذى حتى بكى قلبُه قبل عينيه وراح يشكوه للإمام العادل صلوات الله عليه.
تأذى لأن الأمر متعلق بالمشاعر وكسر الخواطر، ولَذلك العذابُ الذي لاقاه من أعداءه أهون عنده بكثير من تلك الكلمة التي عُيّر بها وهدت شمله وزلزلت أركانه.

إن بعض الممرات أليمة جدا، أحيانا نخاف من عبورها كونها أليمة لذلك الحد، ولكننا في الحقيقة نجهل أن بتر تلك الإصبع المسمومة وقاية من انتشار السمّ في أرجاء الجسد ويصعب عليك عندها استئصاله وتتمنى عندها لو يرجع السم إلى بداية انتشاره حيث اكتشفت وجوده في الإصبع لاستئصالها بكل قناعة.

إن ذلك أشبه بجمر على ممر طريق عبورك لا تعبر إلى الحياة من دون أن تطأه تخاف لأنك تخاف الألم.

لا نمتلك الشجاعة غالبا في ذلك، فالجمر سيدمي مقلتيك قبل التهاب قدميك، ولكننا نجهل أن الطريق طويلة وكفيلة بترميم تلك الحروق التي كنت فيها الضحية لا السبب.

أتذكر مقولة لأحد الأصدقاء : "إن استطعت أن تزيحَ قلبكَ وتضع مكانه صخرة فافعل"
كم أنت شجاع يا صديقي حين وضعت تلك الصخرة التي أجبرتك على أن تضعها مكان قلبك الأيامُ والسنون.

لله وحده تلك الندوب التي ستخلفها سذاجتنا وإفراطنا في الثقة بمن نكتشف حقيقة غبائنا أمامهم.

نرى الحقيقة عن بعدٍ ونتجاهلُ خوفاً وحباً ثم نُفجعُ بأنّ خلف تلك الحقيقة حقيقة وخلفها حقائق.

نتبع قلوبنا لدرجة طمس العقول وعدم إخضاعِ ذلك للعقل ولو ليومٍ واحد.
إنه التقديس الأعمى لتلك الطقوس الذي يجعلك أعمى عن السيئات والسوءات.

صحيح تختلف سيئاتٌ من سيئات وذنوبٌ من ذنوب وكبائر من كبائر.

ولعل من أكبر الكبائر التي لا تغتفر خيبتك بمن وثقت به ثقة عمياء وأفرطت في عطائك القلبي له.

لا بأس لا بأس يكفيك أن لديك قلباً صادقاً حين كنت مستغلاً لدرجةِ الاستنزاف.
ما يمنح الإنسان ضميراً مرتاحاً هو صدق الشعور والوفاء والإخلاص المقترن بالقول والفعل.

فالرب سبحانه لا يخفى عليه ذلك وإن أراد لك الخير لما أنار بصيرتك.

لم نخترِ الطريق منذ البداية ولكنه هو من اختار لنا الطريق ولا يبتليك بشدة إلا ليؤدبك لتعود إليه بكل ثقل وتقول لقد أخطأت حين بعدت عنك يارب وها أنا ذا أعود إليك.

نتسائل هل نستحق هذه الكسور يالله أم أنها تقينا من كسورٍ وجراحٍ لمدى العمر؟!
هل كل هذا نستحق؟!

وهل هذا نتيجة ما اقترفناه في حق نفوسنا أم في حق إلهنا؟!
أم أنّ هذا كان كجرس إنذار لئلا نتشظى قطعة قطعة فيما بعد؟!
ففي كل الأحوال نسلم بكل رضى ولا اعتراض لاختياراتك يالله.

تاهت بنا الطرق وأضعنا زهرة شبابنا في محاولةِ تشذيب وتهذيب زهورٍ ظاهرها الرحمة والغيث والسعادة وباطنها العذاب والجدب والشقاء.

ما أروع ذلك الشعور المريح بعد الندم !!
وما ألذ تلك الراحة بعد لطم الخد وضرب رأسك مراراً وتكراراً بحائطِِ من حجارةٍ وعضّ أصابعك أسفاً وندامة !!
بعد ذلك لاشك ستعود أقوى وأصلب مما كنت فرَوعتكَ تلك التي تبدو للناس ستغدو أكثر منها روعة.

ولكن بعد أن تبتعدَ عن تلك الحياة التي سلبت منك الكثير ذات يوم.

وأنت مغامرٌ فيها تلهث وراء سراب تحسبه أيها الظمآن ماءاً
بينما هو سراب وهميّ؛ فلا أنت من ستصل إليه ولا هو ماء بالأساس.

ختاماً .. إيمانك بنفسك هو رأس مالك وأغلى بعد أن تستمد َالقوة الإلهية، فالحياة مستمرة ولا تقف على أحد ستمرّ بحلوِها ومرّها وأنت مجرد عابر فاترك أثرك الجميل أينما حللت، بحيث إذا رحلت يشهد لك العدو قبل الصديق بأنك ذو بصمةٍ لا تمحى ولا تزول.
فقط عليك اللحاق بما تبقى منك قبل ذبولك بشكلٍ كامل وتصبح غير صالح للعيش والتعامل.
لله كل جميل زرعناه فصدمنا !!
ولله كل عزيز عرفناه فخذلنا !!
ولله كل أثر تركناه طوعا لا نبتغي فيه جزاءاً ولا شكوراً إلا من ربنا !!
سيعود عليك بحلوه ومرّه فقط يكفيك ارتياح الضمير ورضى الرب سبحانه.
إعلان
تابعنا
ملفات