مركز أميركي : علاقة الحوثيين بروسيا لم تعد مجرد مصلحة بل تحالف عسكري مُدروس

15-03-2025 05:05:31    مشاهدات38

واي إن إن - يمن شباب نت

قال مركز أبحاث the Atlantic council الأمريكي، إن تركيز تصنيف وزارة الخزانة الأميركية للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية لعلاقتهم بالحرس الثوري الإيراني وروسيا يُظهر بوضوح أن الحوثيين ليسوا مهندسي صعودهم، بل مجرد أدواتٍ في صراعٍ جيوسياسيٍّ أوسع نطاقًا.
ووجه المركز في تقرير له ، انتقادات شديدة للمجتمع الدولي قائلا: "حتى مع توسّع نفوذ موسكو وطهران، ظلّ صناع القرار الغربيون متشبثين بفكرة أن الحوثيين مجرد تمرد إقليمي آخر، وليسوا وكيلًا مُسلّحًا في محور ناشئ معادٍ للغرب".
وأضاف أنه "طوال فترة الصراع اليمني، ركّز الخطاب العالمي في وسائل الإعلام الدولية بشكل كبير على التدخل العسكري السعودي في اليمن والأزمة الإنسانية التي خلّفها، مما خنق النقاش الجاد حول الاستراتيجية والأمن على المدى الطويل".
كما انتقد ما وصفه بتفضيل المجتمع الاحتفاء بدبلوماسية التقاط الصور على المطالبة بالتزامات قابلة للتحقق، فلم تُسفر محادثات ستوكهولم عن سلام، بل عن توقف تكتيكي أساء وسطاء غربيون فهمه بشغف، باحثين عن أي مؤشر على التقدم في اليمن.
نص التقرير:
دخل تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية حيز التنفيذ في 4 مارس/آذار. وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الجهود الدبلوماسية العقيمة، حيث تعاملت المؤسسات الدولية مع الحوثيين كشركاء شرعيين على طاولة المفاوضات، وهو ما لم يفعل شيئاً سوى جعل الحوثي متفوقاً عليهم في كل خطوة.
وخلال هذه الفترة، لم يكتفِ الحوثيون المدعومون من إيران بتعزيز تحالفهم مع طهران، بل وسّعوا نطاق حربهم لتشمل البحر الأحمر وإسرائيل حيث لا يزالون يشكلون تهديدًا للسفن فيه. وما كان لهذه الثقة الجيوسياسية ولتوسيع ترسانتهم العسكرية أن يتحققا لولا مساعدة لاعب حاسم، وإن كان مُستهانًا به، وهو روسيا.
كان محمد عبد السلام، المتحدث الرئيسي باسم الحوثيين، والذي كان دبلوماسيون غربيون يتودّدون إليه كمفاوض سلام محتمل، أحد الأفراد السبعة الذين أدرجتهم الولايات المتحدة على قوائمها، إلى جانب ستة قادة حوثيين رفيعين.
ويسافر عبد السلام سرًا إلى موسكو بصفته متحدثًا باسم ميليشيا الحوثي، وبحجة منصبه كوسيط في الصراع اليمني، معززًا بذلك علاقة تعود بالنفع على الحوثيين والكرملين.
تُركز العقوبات الأمريكية تحديدًا على الأفراد المتورطين في عمليات شراء وتهريب الأسلحة، مُعالجةً بشكل مباشر القدرات العسكرية للجماعة التي تُشكل تهديدًا إقليميًا. يُعد استهداف شخصيات حوثية مرتبطة بموسكو أوضح مؤشر حتى الآن على أن علاقة الجماعة بروسيا لم تعد مجرد مسألة مصلحة، بل تحالف عسكري مُدروس .
وتكشف هذه العقوبات عن سلسلة إمداد غير مستقرة عبر خط أنابيب أسلحة عابر للحدود الوطنية يربط طهران وصنعاء وموسكو في شبكة من عمليات نقل للأسلحة غير مشروعة تتجاوز ضجيج الحوثيين الأيديولوجي أو مجرد انتهازيتهم.
بالنسبة لحركةٍ زعمت يومًا ما أنها "مستقلة"، أصبح الحوثيون أداةً في يد القوى الأجنبية، متحولين من وكيلٍ لإيران إلى أداةٍ بيد الكرملين. فروسيا، المعزولة بسبب حربها في أوكرانيا، أدركت إمكانات الحوثيين كأداة ضغطٍ على الغرب.
ولطالما أدركت طهران وموسكو أن الجهات المسلحة غير الحكومية، عند تجهيزها بالشكل المناسب، قادرةٌ على تشكيل الصراعات العالمية بفعاليةٍ تعادل فعالية الجيوش النظامية.
إن تركيز تصنيف وزارة الخزانة للمنظمة الإرهابية الأجنبية على العلاقات مع الحرس الثوري الإيراني وروسيا يُظهر بوضوح أن الحوثيين ليسوا مهندسي صعودهم، بل مجرد أدواتٍ في صراعٍ جيوسياسيٍّ أوسع نطاقًا.
رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، بعد سنوات من المطالبة والعمل ضد تراجع إدارة بايدن السابقة عن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية عام ٢٠٢١.
بالنسبة للعديد من اليمنيين، سواء داخل البلاد أو في الشتات، يُمثل تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية اعترافًا طال انتظاره بحقيقة تجاهلها الغرب باستمرار: وهي أن الحوثيين غير مهتمين بالسلام.
لقد عانت المجتمعات اليمنية بشكل مباشر من وحشية الحوثيين، بدءًا من التجنيد القسري للأطفال والاعتقالات التعسفية وصولًا إلى الاختطاف الممنهج لعمال الإغاثة وتعذيب المعارضين السياسيين.

لكنهم يدركون أيضًا أن علاقات الحوثيين المعقدة مع طهران وروسيا، إلى جانب تهديدهم على البحر الأحمر، تُدخل اليمن في صراعات قد تُعمق بؤسهم وتُخلف تداعيات خطيرة على مستقبل اليمن.
طوال فترة الصراع اليمني، ركّز الخطاب العالمي في وسائل الإعلام الدولية بشكل كبير على التدخل العسكري السعودي في اليمن والأزمة الإنسانية التي خلّفها، مما خنق النقاش الجاد حول الاستراتيجية والأمن على المدى الطويل.
قلّل العديد من المحللين من شأن علاقات الحوثيين المتنامية مع إيران وروسيا، وبالغوا في تقدير استقلاليتهم ، مُقلّلين بشكل خطير من نفوذ طهران وموسكو المتنامي. وبينما كان صانعو السياسات الغربيون ينظرون إلى أماكن أخرى، تطوّر الحوثيون بهدوء إلى قوة استراتيجية مُخوّلة بتنفيذ عمليات ذات عواقب عالمية وخيمة.
من طاولة المفاوضات إلى أصول الكرملين
تشمل التجارة العسكرية بين الحوثيين وروسيا كلاً من الواردات والصادرات، وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية. وتؤكد معلومات استخباراتية أمريكية أن جهاز المخابرات العسكرية الروسي (GRU) يعمل الآن في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين تحت غطاء المساعدات الإنسانية، موفراً بذلك مساعدة فنية تُعزز العمليات العسكرية للحوثيين. علاوة على ذلك، هناك تقارير تربط تاجر الأسلحة الروسي الشهير' فيكتور بوت 'بعمليات تهريب أسلحة لصالح الحوثيين.
وقد تطورت هذه العلاقة من تبادلات مصالح انتهازية إلى تعاون عسكري مباشر، حيث أفادت تقارير بأن الكرملين يُقدم المساعدة في أنظمة تتبع البيانات التي تُعزز قدرات الحوثيين على الاستهداف البحري في البحر الأحمر.
وبينما استغل الحوثيون اقتصاد الحرب في اليمن لفترة طويلة، مستفيدين من كل شيء، من تهريب الوقود إلى الابتزاز، تكشف معلومات استخباراتية حديثة عن مصدر دخل أكثر خطورة.
فوفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، أدار العميل الحوثي "اللواء" عبد الولي عبده حسن الجابري شبكة تهريب بشر، حيث جنّد مدنيين يمنيين للقتال لصالح روسيا في أوكرانيا.
يكشف هذا عن بُعد جديد في العلاقة بين الحوثيين وروسيا...بُعد يتجاوز الأسلحة ليشمل رأس المال البشري. إذ أن تزويد جماعة جهادية شيعية زيدية نظاماً ديكتاتوريًا علمانيًا في الظاهر بمرتزقة مأجورين، يجسد ظاهريًا الإفلاس الأخلاقي لكلا الطرفين. فبحلول منتصف عام 2024، كان المتمردون الحوثيون قد زجّوا بآلاف اليمنيين في معسكرات تدريب عسكرية روسية بحجج واهية.
ظنّ العديد من المجندين أنهم سيُسجّلون لوظائف في البناء براتب ألفي دولار شهريًا، وهي خدعة قاسية تُحوّل الحوثيين من مجرد إرهابيين إلى كيانٍ أكثر دناءة: مُتاجرين بالبؤس البشري، يخدمون المصالح العسكرية الروسية مباشرةً.
لكن ما يثير القلق حقًا هو أن ممثلي الحوثيين أنفسهم المتورطين في هذا الاتجار بالبشر إلى روسيا - محمد عبد السلام، وعلي محمد محسن صالح الهادي، ومهدي محمد حسين المشاط - سبق أن تظاهروا بأنهم صناع صفقات خلال مفاوضات اتفاق ستوكهولم عام 2018 التي شهدت انتصارات كبيرة للفصيل المتمرد.
هذا النمط لا يكشف عن ازدواجية الحوثيين فحسب، بل يكشف أيضًا عن ضعف المجتمع الدولي: تفضيله الاحتفاء بدبلوماسية التقاط الصور على المطالبة بالتزامات قابلة للتحقق. فلم تُسفر محادثات ستوكهولم عن سلام، بل عن توقف تكتيكي أساء وسطاء غربيون فهمه بشغف، باحثين عن أي مؤشر على التقدم في اليمن.
الانتقائية البحرية الاستراتيجية
أكدت وزارة الخزانة الأمريكية أن الحوثيين يستهدفون عمدًا الشحن الغربي مع ضمان المرور الآمن للسفن الروسية والصينية، وهي صفقة اعترفوا بها علنًا. هذا النمط من الاستهداف الانتقائي ليس عرضيًا بل استراتيجيًا.
وكما أدلى الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، بشهادته أمام الكونجرس العام الماضي، فإن إيران وروسيا والصين تعيد تشكيل النظام الإقليمي بنشاط على حساب الغرب، باستخدام جهات فاعلة غير متكافئة مثل الحوثيين لممارسة الضغط.
إن تنسيقهم مع موسكو وبكين لحماية السفن الروسية والصينية أثناء مهاجمة الشحن الأمريكي وحلفائه يؤكد هذا التوافق الجيوسياسي. ووفقًا لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية، فقد تواصل محمد علي الحوثي مباشرة مع المسؤولين الروس والصينيين لتأمين هذا الاتفاق.

تُعدّ هذه الاستراتيجية البحرية جزءًا من إعادة ترتيب العلاقات الروسية الإيرانية الأوسع نطاقًا، والتي تسارعت بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. تخلّت موسكو عن الحياد، وانضمت إلى إيران، وعززت علاقاتها العسكرية والاستخباراتية مع وكلائها، بمساعدة طائرات مُسيّرة من الحرس الثوري الإيراني.
ومنذ ذلك الحين، عززت تقنية تتبع الرادار التي يستخدمها الكرملين قدرة الحوثيين على تحديد واستهداف السفن في البحر الأحمر بدقة، مما زاد من انخراطهم في محور مُصمم لإضعاف النفوذ الغربي على التجارة العالمية.
كما قدمت روسيا للحوثيين دعمًا ملحوظًا في الساحة الدبلوماسية: ففي عام 2015، امتنعت موسكو عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 ، الذي فرض حظرًا على الأسلحة على الحوثيين.
ومن خلال رفضها دعمه، أبقت روسيا الحوثيين قابلين للاستمرار سياسيًا كأداة مساومة استراتيجية، مما ضمن لهم البقاء كثقل موازن مفيد في ديناميكيات القوة الإقليمية مع الحفاظ على نفوذها في الصراع اليمني.
وعلاوة على ذلك، عندما كشفت لجنة خبراء الأمم المتحدة، بما في ذلك المحلل الأمريكي جريجوري جونسون ، في وقت لاحق عن انتهاكات واضحة لهذا الحظر، اتخذت روسيا موقفًا هجوميًا، وشوّهت النتائج، وعرقلت التنفيذ، واستخدمت حق النقض ضد إعادة تعيين جونسون.
مع ذلك، حتى مع توسّع نفوذ موسكو وطهران، ظلّ صناع القرار الغربيون متشبثين بفكرة أن الحوثيين مجرد تمرد إقليمي آخر، وليسوا وكيلًا مُسلّحًا في محور ناشئ معادٍ للغرب.
وحتى في الأشهر التي سبقت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان لا يزال هناك تفاؤل حذر بشأن مشاركة الحوثيين في المفاوضات، حيث أعرب مبعوث الأمم المتحدة، هانز جروندبرغ، عن تفاؤله بأن الأمور تسير "في الاتجاه الصحيح".
وبينما انهار هذا الوهم الآن، لا يزال المجتمع الدولي يبحث عن حل، في حين لا تزال الأمم المتحدة عاجزة عن حماية موظفيها المختطفين من قبل الحوثيين، ناهيك عن حل أزمة اليمن المستمرة منذ عقد من الزمن.
لهذه الأسباب، يُرسل تجديد واشنطن تصنيفها لليمن كمنظمة إرهابية رسالةً مهمةً بالاعتراف بالمشكلة الجيوسياسية في البحر الأحمر، إلا أنها تأتي متأخرةً بعض الشيء.
وإذا استمرت الولايات المتحدة في سعيها للانخراط وفق شروطٍ عفا عليها الزمن، فستُهزم مرةً أخرى أمام جماعةٍ لا تُراعي مصالح اليمن، بل مصالح طهران وموسكو. والسؤال الآن هو: هل ستُدرك واشنطن أخيرًا الواقع، أم ستُكرر الأخطاء التي سمحت للحوثيين بالظهور أصلًا؟

إعلان
تابعنا
ملفات