واي إن إن - العربي الجديد
تغيب مختلف المظاهر والتجهيزات الخاصة بعيد الأضحى في قطاع غزّة، في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والإغلاق الكامل للمعابر منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي. ويحلّ عيد الأضحى في ظلّ غياب كامل لمختلف أصناف الأضاحي والمواشي والعجول، في ظل تدمير المزارع الخاصّة بتربيتها والعناية بها، بالإضافة إلى منع دخول أصناف اللحوم الحمراء والبيضاء منذ تشديد الحصار والإغلاق التام للمعابر. إلى جانب غياب الأضاحي واللحوم في عيد الأضحى، تغيب بقية الأصناف التي تلقى رواجاً فيه، إذ يفتقد القطاع للمواد الغذائية، وفي مقدمتها الدقيق والأرز والزيت وغيرها من المتطلّبات الأساسية للأسر، كما تغيب كل أصناف الحلويات والكعك والشوكولاتة التي تقدم للزوار المهنئين بالعيد، بفعل نفاد المواد الخام اللازمة لصناعتها، والغلاء الشديد في سعر الدقيق الذي تضاعف سعره بنحو 50 ضعفاً، والسكر الذي تضاعف سعره بنحو 60 ضعفاً. وفي الأيام التي كانت تسبق العيد، اعتاد الغزيون أن يملؤوا الأسواق لشراء ملابس العيد، والحلويات، واللحوم، والتوجه إلى مزارع الأغنام لاختيار أضاحيهم. لكن هذا العام، يخيّم الصمت على المحالّ التجارية، وسط حزن في عيون الأهالي، الذين باتت أولوياتهم تنحصر في النجاة من الموت وتأمين لقمة العيش. هذا النقص يلقي بظلاله القاتمة على الأسواق التي تبدو خاوية من البضائع الأساسية وحتى الثانوية، في الوقت الذي يعيش فيه أهالي القطاع مجاعة حقيقية، باستثناء كميات شحيحة تباع بأسعار خيالية، وتتسبب الأوضاع المأساوية للأسواق في حالة من الضيق لدى الغزيين الذين يعانون جرّاء الإبادة الجماعية المستمرّة، وقد خسروا بيوتهم ومصادر رزقهم والمساعدات الإنسانية التي يمنع الاحتلال إدخالها بكميات كافية. ولم يدخل إلى قطاع غزّة منذ أشهر أي شحنات تجارية من المواد الغذائية واللحوم المبرّدة أو المجمّدة، ولا الأعلاف للمواشي، ما تسبب في انهيار قطاع الثروة الحيوانية كلياً، واضطر بعض المربين إلى ذبح مواشيهم مبكراً خوفاً من نفوقها بسبب نقص الأعلاف والمياه، ما قلص المعروض من الأضاحي على نحوٍ غير مسبوق. تقول الفلسطينية سعاد السرحي، إن فرحة العيد معدومة في قطاع غزّة بسبب تواصل الحرب والخوف والخطر نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي تزداد شراسته يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى فقدان نكهة التجهيزات الخاصة بالعيد. وتلفت السرحي لـ"العربي الجديد"، إلى أن النقص لم يقتصر على زينة العيد أو الحلويات أو التجهيزات، وإنّما وصل إلى المتطلبات الأساسية كالطعام بمختلف أصنافه، من ضمنها اللحوم. تضيف السرحي أنها تشعر بغصة كبيرة حين تزور الأسواق الخاوية من كل شيء، باستثناء بعض الأصناف البسيطة التي تباع بأسعار خيالية، ولا يمكن للمواطنين شراؤها، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، وفقدانهم مدّخراتهم ومصادر دخلهم. ويقول الفلسطيني غالب الكباريتي (38 عاماً)، النازح من مشروع عامر شمالي مدينة غزّة نحو مخيّم إيواء وسط المدينة، إن الأوضاع تزداد سوءاً باستمرار منذ بداية الحرب وحتّى اللحظة، سواءً من ناحية توفر البضائع والمواد الأساسية، أو من ناحية الأوضاع المادية للفلسطينيين. ويشير الكباريتي إلى أن المواسم تكشف العجز في الأسواق بوضوح أكبر، خاصّة عندما تغيب الأصناف الأساسية والمميّزة للمناسبة، ويقول: "في هذا الموسم تغيب اللحوم والحلويات والزينة وكل ما من شأنه أن يشعرنا بالأجواء الخاصة بالعيد"، ويضيف أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى التأثير على الفلسطينيين في غزّة من النواحي كافّة، سواء بالقتل المباشر، أو اعتماد سياسة التجويع عبر منع دخول المواد الغذائية، أو حتى التأثير على الشعائر الدينية أو على أجواء المناسبات والمواسم والأعياد. عيد بلا رغيف ويروي النازح الفلسطيني محمد السويركي (48 عاماً) كيف سرقت الحرب بهجة العيد من أطفاله قبل أيام قليلة من حلوله، ويتحدث بحسرة عن غياب مظاهر العيد هذا العام تحت وطأة الحرب والحصار، ويقول إنه لا يشعر بأيٍّ من مظاهر العيد في ظل تواصل حرب الإبادة والقتل والتجويع والتشريد، بفعل انشغال الناس بتوفير لقمة العيش، من دون الالتفات إلى التجهيزات الخاصة بالعيد أو الملابس الجديدة، أو غيرها من الطقوس السنوية. ويواصل السويركي حديثه بلغة مليئة بالحسرة والألم، قائلاً: "في طرقات المخيّم المكدسة بالنازحين، والمكتظة بأكوام القمامة وسيول الصرف الصحي والأزمات المتلاحقة، لم تعلَّق الزينة، ولم تسمع ضحكات الأطفال كما جرت العادة، إذ لا يُسمع سوى أزيز الطائرات الحربية وأصوات القصف والانفجارات"، ويبيّن أن العيد يأتي في ظروف غاية في الصعوبة والقسوة بسبب نفاد الغذاء والمواد الأساسية، وعدم توفر الأضاحي أو اللحوم المجمّدة والمبرّدة، في الوقت الذي تغيب فيه المساعدات الإنسانية، وتتفاقم فيه الأوضاع الاقتصادية باستمرار. ويواجه معظم السكان عجزاً في شراء المواد الأساسية الشحيحة بسبب الفقر المدقع، وقد تجاوزت نسبة البطالة 70%، فيما يعتمد 100% من السكان على المساعدات الغذائية، وبات شراء أضحيةٍ شيئاً من الخيال نتيجة عدم توفّرها، أو توفر أحجام صغيرة للغاية وبأسعار فلكية لا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الهشّة.
مروان قبلان
مصطفى ناجي
كمال أوزتورك
د.محمد موسى العامري
د.حسن نافعة