واي إن إن - العربي الجديد
في أول رد فعل رسمي وسط تصاعد التوترات الإقليمية، وبعد تأخر ملحوظ في الموقف العلني، أصدرت الخارجية المصرية بيانًا يفرض قيودًا مشددة على دخول الوفود التضامنية مع قطاع غزة إلى المنطقة الحدودية، في ما اعتُبر على نطاق واسع رفضًا ضمنيًا لعبور قافلة النشطاء القادمين من شمال أفريقيا نحو معبر رفح. وجاء هذا التحرك الرسمي في أعقاب مؤشرات صدرت عن دوائر مقربة من النظام المصري، ألمحت إلى امتعاض السلطات من المبادرة، التي اعتُبرت "غير منسقة" و"محفوفة بالمخاطر التنظيمية". البيان، الذي أصدرته وزارة الخارجية المصرية اليوم الأربعاء، شدد على أن أي زيارات إلى المنطقة الحدودية المتوترة يجب أن تتم حصريًا من خلال مسارات رسمية مسبقة، عبر طلبات تُقدَّم إلى السفارات المصرية في الخارج أو إلى الوزارة مباشرة. وحذر البيان من أن "أي طلبات أو دعوات خارج الإطار التنظيمي المعتمد لن يُنظر فيها"، في لهجة بدت موجهة بشكل غير مباشر إلى قافلة "المسيرة العالمية إلى غزة"، التي تضم أكثر من ألف ناشط، وتتحرك حاليًا من تونس مرورًا بليبيا باتجاه مصر. القافلة، التي تضم 12 حافلة وحوالي 100 سيارة، تهدف إلى الوصول إلى معبر رفح يوم الخميس للمطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة. غير أن المنظمين أقروا بعدم تلقيهم موافقة رسمية من السلطات المصرية حتى الآن. وقال أحدهم في تصريحات صحافية: "نأمل أن يُسمح لنا بالعبور غدًا، فنحن لا ننوي خرق القوانين". البيان المصري بدا مصممًا لتوجيه رسالة مزدوجة: تأكيد الدعم السياسي والإنساني للفلسطينيين من جهة، والتشديد على أولوية الأمن والسيادة في التعامل مع حدود مضطربة من جهة أخرى. وجاء فيه أن "مصر تجدد التزامها الثابت بدعم القضية الفلسطينية"، مُدينًا "الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقانون الدولي والإنساني"، لكنه في الوقت ذاته شدد على ضرورة الالتزام بالإجراءات التنظيمية التي تضمن "سلامة الوفود والحفاظ على النظام العام". وتزامن الموقف الرسمي مع تسريبات دبلوماسية نشرتها وسائل إعلام مصرية، أكدت أن القافلة لم تنسق مسبقًا مع الجهات المعنية، ما يجعل دخولها إلى الأراضي المصرية أمرًا مستبعدًا في ظل الظروف الأمنية الراهنة. واعتبر مراقبون أن الحكومة المصرية تخشى أن تتحول المبادرات التضامنية غير المنسقة إلى عنصر ضغط داخلي وخارجي، في وقت تسعى فيه القاهرة لإبقاء الملف الفلسطيني ضمن نطاق سيطرتها السياسية والدبلوماسية. الحدود بين مصر وغزة، وتحديدًا معبر رفح، تحوّلت منذ بدء الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى بؤرة توتر إقليمي ودولي، مع تزايد الوفود الإنسانية والدبلوماسية التي تسعى للدخول إلى القطاع المحاصر. ومع ذلك، حافظت السلطات المصرية على تنظيم صارم لتلك الزيارات، قاصرة إياها على الوفود التي تحصل على موافقات مسبقة، وتعمل ضمن أطر مؤسسية واضحة. ويؤكد هذا الموقف رغبة القاهرة في تجنب أي مظاهر فوضى أو محاولات لاختراق الحدود، خاصة في ظل الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية داخل القطاع. في المقابل، تعكس منصات التواصل الاجتماعي حالة من الإلحاح والغضب في أوساط النشطاء والصحافيين والمواطنين العرب، الذين رأوا في الموقف المصري تقاعسًا غير مبرر أمام مأساة إنسانية يتساقط فيها الضحايا يوميًا. وبينما تشير التقارير إلى استشهاد أكثر من 51 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 116 ألفًا منذ بدء الحرب، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، فإن الدعوات للتضامن الشعبي والعربي تتكثف، وإن كانت تصطدم بجدار الإجراءات البيروقراطية المصرية.
د.محمد موسى العامري
عبدالله الشرعبي
مروان قبلان
مصطفى ناجي
كمال أوزتورك