قراءة نقدية تذوقية لقصيدة (الأطلال): د/ إبراهيم ناجي الجزءالرابع

11-09-2020 11:37:31    مشاهدات1802


واي إن إن - نقد: فاطمة عبد اللطيف

يتعاطف الشاعر مع ضحايا الأسى وصرعى المقادير ويذوب قلبه حنوّاً فيبادر بالتقاسم:
أيها الشاعرُ كم من زهرةٍ
عُوقبت لم تدرِ يوماً ذنبها
يتجسّد له القدر في وجه محبوبته ‘شئ خُلق له قبل ان يُخلق هو ..
أيها الريحُ أجل لكنما
هي حبي وتعلّاتي ويأسي
هي في الغيبِ لقلبي خُلِقت
أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي
ونطالع في الأبيات التالية كيف يستنطق الشاعر عناصر الطبيعة ويحاور الكائنات وكأنه يملك شئ من علم سليمان:
لستُ أنسى أبداً ساعةً في الـعُمُرِ
تحت ريحٍ صفّقت لارتقاصِ المـطـرِ
نـوّحـت لـلـذّكرِ وشكـت لـلـقـمـرِ
وإذا مـاطـربـت ــ عربدت في الـشجرِ
هاك مـاقـد صبـّت الريـحُ بأذن الـشاعرِ
وهي تُغري القلبَ إغراءَ الفصيحِ الفاجرِ
أيها الشاعرُ تغفو ـ تذكر العهدَ وتصحو
وإذا مالـتـأم جُرحُ ـ جدَّ بالـتـذكارِ جُرحُ
فتعلّم كيف تنسى ـ وتعلم كيف تـمـحو
أوَ كلُّ الحبِّ في رأيك غفرانٌ وصفحُ?
ــــــــــــــ
هاك فـانظر عددَ الرملِ قلوبـاً ونـسـاءْ
فتـخيّـر ماتـشـاء ذهب الـعـمـرُ هـبـاء
ضلَّ في الأرضِ الذي ينشدُ أبناءَ السماءْ
أيُّ روحانـيـةٍ تُـعـصـرُ من طيـنٍ وماء?
ــــــــــــــــــــــــــــ
يرسم الشاعر لوحة فنية من خلال هذه المقطوعة فتظهر الصورة الكلية مشتملة على خطوط فنية مع الصوت واللون والحركة وفي ثنايا هذه الصورة الكلية نلمح صوراً جزئية من الخيال ومواطن أخرى للجمال وعناصر الطبيعة تبرز في هذه الصورة مشاركة للشاعر مشاعره وأحاسيسه وكأنها تشعر بما يشعر به مع امتزاج بالطبيعة وتشخيص لها وقبل توضيح الصورة الكلية المرسومة بعناية
(أيها الشاعر) أسلوب إنشائي غرضه الرحمة والتعاطف ولفت نظر وتنبيه إلى ما سيبديه من رأي
ثم يأتي بكم الخبرية التي تفيد التكثير متبوعة بمَن لتأكيد الكثرة
(زهرة) استعارة تصريحية حيث شبه الجميلات بالزهور وحذف المشبه به وزهرة عُوقبت كناية عن حرمانها من مبتغاها دون ذنب
فالصورة الكُلّيّة المرسومة والتي يمكن تخيّلها ورسمها كلوحة هي صورة الشاعر الحائر وما يعتلج في نفسه من مشاعر الحب والتذكر للمحبوب والتمسك به لأنه قد ملك كل أحاسيسه وكل منهما خُلق للآخر كالروح والجسد:
أنا أنت وأنت أنا
نحن روحان حللنا بدنا
هذه من ناحية وفي ناحية أخرى صورة الريح المزمجرة وما بينهما من حوار وتمسّكه بالمحبوب ومحاولة الريح إقناعه بالتخلي عنه بحجج وبراهين من وحي الطبيعة وما فيها من مطر وقمر وشجر ورمال وأدلة منطقية مقنعة لكنها تفشل في إثنائه عن التمسك بالمحبوب
والصور الجزئية التي تنبثق من خلال هذه اللوحة الحوارية
(أيها الريح) استعارة مكنية حيث يتخيّل الريح صديقاً حميماً يناديها ويفضي إليها بمكنونات نفسه فيستمع له بتلهّف ثم يتبعه برأيه ونصحه
وفي (أجل) استعارة مكنية أخرى فالرياح تستمع بشغف وتتكلم وتجيب
هي(تعلّاتي ويأسي) تشبيه للمحبوب بالدواء إن وجد وباليأس والإحباط إن فقد والتشبيه يوحي بالتمسك وعدم التفريط
(خُلقت) من قبل كناية عن العلاقة الأزلية بينهما
فلا هي تصلح إلا له
ولا هو يصلح إلا لها
(أشرقت وتشرق شمسي) استعارة تصريحية حيث شبه حباته وحياتها بإشراقة الشمس جمالاً ودفئاً وضياء
ويعود للحوار مع الريح (لست أنسى ساعة في العمر) مجاز مرسل علاقته الجزئية في لفظة ساعة حيث أطلق الجزء وأراد الوقت الطويل الذي قضياه معاً وكأنه ساعة وفيه دليل على أن أيام السعادة تنقضي بسرعة وأيام الحزن تطول في نفس صاحبها لا في الحقيقة
الريح تصفّق والمطر يرقص استعارتان مكنيتان
(تنوح وتشكو للقمر) أيضاً استعارتان مكنيتان ومثلها طربت وعربدت وصبّت وتغري فكلها استعارات تشخيصية لعناصر الطبيعة
إغراء الفصيح الفاجر تشبيه مؤكد مجمل لحذف الأداء ووجود وجه الشبه ووصفها بالفصيح الفاجر دلالة على عدم امتثالها لنصحها في التخلّي عن محبوبه وتمسكه بالعهد
(تغفو وتصحو) طباق إيجابي
وبين التئام الجرح وتجدده مقابلة واستعارة مكنية وكأن الذكرى تجدد الجرح والألم وتحييه
(فتعلّم) أسلوب إنشائي غرضه النصح والتعجب من عدم الامتثال
(أوكل الحب) أسلوب إنشائي استفهامي غرضه التقرير والنفي معاً
(هاك فانظر) أسلوب إنشائي أمر لغرض الحث والإقناع بالامتثال
(عدد الرمل) تشبيه وكناية عن الكثرة
(تخيّر) أمر للنصح
(ذهب العمر) كناية عن اغتنام الفرصة
(هباء) تشبيه أي كالهباء
(أبناء السماء) كناية عن الملائكة ووصفهم بالأبناء غير موفّق من الناحية الدينية
(أي روحانية) استفهام غرضه الإنكار
(طين وماء) كناية عن الإنسان
وضعوني في إناء
ثم قالوا لي تألقم
وأنا لستُ بماء
أنا من طين السماء
وإذا ضاق إنائي بنموّي يتحطم
نواصل في الجزء القادم
إعلان
تابعنا
ملفات